هكذا علمتنا تجربتنا في جمعية الأطفال المعوقين، تلك المؤسسة الخيرية صاحبة السبق والتفرد في كثير من برامجها، وخططها، وآليات عملها. ولأن التجربة جديرة بالتعميم والاستفادة في بلد قدره "الريادة"، و "التميز الاستثنائي" – كما يصفه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز – فانه علينا أن نستلهم من مسيرة تلك الجمعية ما يمكن أن يحدث الفارق في قطاع العمل الخيري في المملكة تعزيزاً لدوره المحوري، واستكمالاً لمسيرة التنمية الشاملة. ما دفعني للكتابة عن ريادة الجمعية هو الحدث المميز الذي حظي برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل أيام، حين تفضل – أيده الله – بوضع حجر الأساس لمشروع "خير مكة" الاستثماري الخيري الذي تقيمه جمعية الأطفال المعوقين في مكةالمكرمة، والذي تبلغ تكلفته 300 مليون ريال. والريادة هنا تتمثل في عدة محاور في مقدمتها بالطبع،(ثقة الدولة) وايمان قيادة المملكة وثقتها في هذه المؤسسة بصفة خاصة، والعمل الخيري بصفة عامة، وحرصها على مساندة أهداف الجمعية منذ نشأتها قبل 30 عاماً، الامر الذي جسده خادم الحرمين الشريفين في كلمته في الحفل حين قال – رعاه الله - " لعلي أستذكرُ في هذه الليلة مناسبة افتتاح جمعية الأطفال المعوقين عام 1407، عندما شرفني خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بالإنابة عنه – رحمه الله – في رعاية افتتاح دار الجمعية ومشروعها الأول في الرياض، حينذاك أشرت إلى أن هذه الدار أضافت لبنة إلى البناء الشامخ في مجال رعاية الأطفال المعوقين، وأن أفراد المجتمع دون تمييز أسهموا إلى جانب الدولة في دعم هذا المشروع ومساعدته، ولقد عملت الجمعية على مدى نحو ثلاثين عاماً بقيم التكافل، والتراحم، والانتماء، التي يتميز بها المجتمع السعودي، والتي مكنته من تجاوز الكثير من التحديات والصعاب على مدى عقود". وأعرب خادم الحرمين الشريفين عن سعادته بما حققته الجمعية من إنجازات، ووصفها بأنها "تمثل واحدةً من أبرز مؤسسات العمل الخيري في بلادنا، موجهاً شكره – رعاه الله - لكل من أسهم في دعم مسيرتها، وساند استمرارها، ونموها، وبخاصة في هذا المشروع الاستثماري الخيري الذي يمثل في اعتقادي تطوراً ملموساً في نهج المؤسسات الخيرية، وأدعو الجميع للتبرع والمساهمة لينطلق هذا المشروع الخيري في بلد الخير أطهر بقاع الأرض مكةالمكرمة شرفها الله". ويحق لمؤسسي هذا الكيان الرائد وأعضائه وداعميه ومنسوبيه أن يفخروا بهذا التتويج من قائد مسيرتنا، وشهادته الكريمة في حق الجمعية بأنها "واحدة من أبرز المؤسسات الخيرية في المملكة". أما المحور الثاني من الريادة فهو (سبق الجمعية)، الامر الذي أكده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس الإدارة في كلمته في المناسبة موجها كلامه للمقام الكريم "اليوم نجني ثمار غرسكم المبارك على مدى ثلاثين عاماً لتعزيز قضية الإعاقة، عبر جمعية الأطفال المعوقين التي وضعتم بذرتها الأولى، حيث تنوعت إنجازاتها بين مبادرات رائدة، وبرامج رعاية، وتأهيل، ودمج، وتنمية، وتدريب، وتوظيف، وتوعية، تقدمها الجمعيةُ، واستفاد منها الآلاف من الأطفال والمعوقين. وأوضح سموه "ان هذه المؤسسة الخيرية تعهدَها مواطنون أخيار، ومؤسسات خيرة من القطاعين العام والخاص حرصوا على أن تكون دوماً رائدة، وموثوقة، ومتميزة في كل أعمالها، ولتصبح مركزاً علمياً وتعليمياً. يسهم، بجانب جهود الدولة، في توفير أفضل مستوى من برامج الرعاية المتخصصة."، مؤكداً على " أننا نعيش في وطن قَدَرُه الريادة، فقد استشعر المواطن بوعيه، وانتمائه، وخيريته، مسؤوليته في مساندة هذا الغرس الطيب، وواكب ذلك، دعمُ ومساندةُ مؤسسات الدولة وأجهزتها، الأمر الذي يتجسد الليلة في هذا اللقاء الخيّر، لإطلاق مشروع خير مكة مايؤكد أهم عناصر التميز الاستثنائي لهذه الدولة، ألا وهو التلاحم والانصهار بين مواطنيها في سبيل الخير والتكافل. والمحور الثالث في الريادة.. هو (الدور الوطني) فجمعية الأطفال المعوقين باتت تقود منظومة من البرامج العلمية الوطنية للتصدي لقضية الإعاقة، جسدتها من خلال تبني تنظيم أربعة مؤتمرات علمية دولية، وطرح العديد من مشروعات التوعية مثل "عطاء الطلاب"، و"مسابقة حفظ القرآن الكريم للأطفال المعوقين"، و"برنامج الدمج "، و"توظيف المعوقين"، و"جوائز التميز والخدمة الإنسانية" وبرامج "جرب الكرسي"، و "الله يعطيك خيرها". أما المحور الرابع في الريادة فهو (الابتكارية في تنمية الموارد) المالية وتبني استراتيجية متفردة للوقف والاستثمار الخيري، ومنها مشروع "خير مكة " الاستثماري الخيري، والذي تصل تكلفته الى نحو 300 مليون ريال، فالجمعية بهذا المشروع " تعكس دور مؤسسات العمل الخيري في بلادنا، وما تتميز به من منهجية عمل علمية رصينة، وانتشار واسع في أرجاء الوطن، وتواكب ما تطبقه بلادنا من رؤية تنموية طموحة، تستهدف خير الإنسان في المقام الأول،" وقد جاء هذا المشروع تلبيةً لحاجة ملحة، لضمان استمرارية خدمات الجمعية المجانية، وتطويرها، وإيصالها إلى المناطق والمدن التي تحتاجها، من خلال إيجاد مصادر تمويل دائمة، خاصة بعد وصول عدد مراكز الجمعية إلى (13) مركزاً، منها ثلاثة تحت الإنشاء، ووصول عدد الأطفال المخدومين سنوياً مجاناً إلى أكثر من ثلاثة آلاف طفل، بميزانية تشغيلية سنوية بلغت (120) مليون ريال، فيما كان ذلك الرقم لا يتجاوز (25) مليون ريال في السنوات الخمس الأولى لتأسيسها. وريادة الجمعية في مجال تنمية مواردها المالية وتبني استراتيجية متفردة للوقف والاستثمار الخيري، انطلقت من نهج إسلامي يشير الى أن الوقف هو تحبيس وتسبيل المنفعة وقد اتفقت المذاهب الفقهية على أن الوقف مشروع وجائز لأنه من أعمال البر والخير ووسيلة من وسائل القربة إلى الله تعالى ومثوبته. وقد وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدداً من الصحابة في أراض لهم بأن يحبسوا أصلها ويتصدقوا بثمرتها منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" والصدقة الجارية هي الوقف نفسه. وتحت تأثير الوازع الديني والحث على التصدق انطلق المسلمون في شتى عصورهم نحو الوقف والاهتمام والعناية به والسعي إليه حتى تعددت أشكاله وأنواعه فشمل الوقف السقاية والعيون والآبار وعلى المساجد والمستشفيات ودور رعاية الشيوخ والعجزة والزمنى والمكفوفين ودور العلم والمكتبات والمدارس وبذلك كان للوقف دور عظيم في التنمية الاقتصادية في المجتمعات الإسلامية عبر العصور. وفي ضوء التجربة العريضة للجمعية، والتي امتدت لثلاثين عاماً واجهت الجمعية عدة تحديات كان في مقدمتها "كيف تضمن استمرار وتوسع تلك الخدمات المجانية المتخصصة بأعلى جودة ممكنة"؟؟ خاصة في ظل اعتماد الجمعية على التبرعات كمصدر رئيس لميزانية التشغيل. ومن ثم كان التوجه لإيجاد مصادر دخل دائمة وثابتة تسهم في ضمان استمرارية برامج الجمعية وإيصالها إلى من يحتاجها، ولأن الجمعية عهدت اللجوء إلي أهل الخبرة في كل ما من شأنه أداء رسالتها وفقاً لمنهجية مؤسسية، فقد تم عام 1426ه تشكيل لجنة للأوقاف برئاسة معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف وتضم في عضويتها نخبة من العلماء والمتخصصين، يساندها لجنة للاستثمار تضم في عضويتها فريقا من الخبراء في الشؤون المالية والاستثمارية. وكان للجمعية السبق في صياغة واقرار استراتيجية للأوقاف انطلقت منذ سنوات عديدة لتكون مصدراً رئيساً لتمويل نفقات تشغيل مراكز الجمعية وخدماتها المجانية للآلاف من الأطفال المعوقين سنوياً. وقد حرصت الجمعية على تطبيق أعلى درجات الشفافية في سياستها المالية وإجراءات الحفاظ على مواردها سواء من الأوقاف أو من تبرعات أهل الخير، حيث أن هناك آلية محكمة للشؤون المالية تمر عبر طبقات عديدة من القرارات والرقابة الصارمة. وفي ضوء هذا التكامل في البناء التنظيمي للأوقاف وضعت إستراتيجية للأوقاف والاستثمار الخيري هدفها خدمة قضية الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة بما يكفل لهم العيش السوي داخل المجتمع والإسهام في بنائه. والرؤية التي تحكمها "إيجاد مصادر تمويل ثابتة لتشغيل الجمعية ومراكزها وجميع أعمالها التعليمية والتأهيلية والعلاجية والاجتماعية. أما السياسات التي تحكم عملها فتشمل: * وضع خطط سنوية ذات أهداف قريبة يسهل تحقيقها من خلال إعداد الميزانيات وسائر الأعمال والمناشط. * الجهاز الإداري القادر على التحرك بمرونة وسرعة لإنجاز متطلبات الخطط السنوية والإستراتيجية العامة. * الانطلاق من نظام محكم ولائحة للأوقاف والاستثمار الخيري بما يحقق العائد المستمر لتشغيل الجمعية ومراكزها. * تكوين اللجان الدائمة والمؤقتة من شخصيات وتخصصات تعود على الجمعية بالنفع بما يملكه أعضاء تلك اللجان من خبرات وتجارب. * التركيز على الاستثمار الدائم والمأمون من المخاطر والتقلبات الاقتصادية. * استقطاب أهل الخير ومحبي الفضل وتوعية أفراد المجتمع بمعنى التواصل والتكافل بين أفراده لتحقيق موارد تدعم الأوقاف والاستثمار الخيري للجمعية. وعبر هذه المسيرة المباركة خلال العقد الماضي استطاع مجلس إدارة الجمعية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز تحقيق فكرة التنظيم المؤسسي للوقف على أرض الواقع وكانت نتيجة هذا الجهد الدؤوب والعمل المتواصل أن تحقق بفضل الله للجمعية مجموعة من الأوقاف والمشروعات الاستثمارية التي ستكون بمشيئة الله مصدراً دائماً وثابتاً لدعم ميزانية المراكز، وخطط تطوير الأداء بما يتناسب مع مكانة الجمعية وخبراتها ودورها الوطني في التصدي لقضية الإعاقة، وأيضا في إطار رؤيتها المستقبلية للسنوات الخمس والعشرين القادمة بمشيئة الله. خاتمة: أدعو الجميع والخيرين في بلد الخير في هذا الشهر المبارك للمساهمة بهذا المشروع الخيري. سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس مجلس الإدارة عضو شرف الجمعية