الإنسان لا يقدر أن يطل برأسه فوق السحاب، أو يمشى في الهواء، أو ينأى عن الآخر في حياته.. وهو لن يستطيع أن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولا.. الإنسان روح.. جسد.. مشاعر.. وحواس. من العجيب أن ننسب كل أخلاق حسنة، أو تقبل للآخر، أو اتصاف بسلوكيات جميلة، أو امتلاك سعة أفق، وإضاءة، وشفافية، ولين، ورحابة صدر، وسعة بال، وتعامل حسن. ننسب كل ذلك بأن هذا الشخص أو ذلك الإنسان صاحب روح طيبة.. فلماذا جاءت النسبة للروح؟ وهل الروح حقا تمثّل الجانب المضيء داخلنا المتعلق بالسلوك؟ نحن نعلم أن جسم الإنسان ينمو في رحم الأم ويحصل على أعضاء وجوارح يحتاج إليها بعد خروجه من بطن الأم، ثم يتابع نموه وتكتمل أجزاء جسمه وكذلك المشاعر والأحاسيس تنمو داخل الإنسان، كما أن الإنسان يستطيع أن يكتسب الصفات جميعها سواء الحسنة والسيئة، وخصوصا ما يكون لها أثر في داخله، أو غلبة لرأيه، أو سيطرة على عقله فبقدر إيمان الشخص وقناعاته، واعتقاده، وآرائه، وظنونه، وتصديقه يكون اكتساب الصفة. النفس الزكية لا تحمل معها الصفات السيئة؛ لأن هذه الصفات في الحقيقة ما هي إلا انعدام الصفات الحسنة. كما أن الفقر هو عدم الغنى. وعلى الرغم أنه لا يوجد شخص كامل بصفاته ولكن ما يحدث في واقعنا الاجتماعي والنفسي في وقتنا الحاضر نجد الاختلافات، والتناقضات، والخلط، والتمازج فهناك من يحمل روحا طيبة وعالية وفيها سعة ورحابة وقبول وتقبل (ونقول عنه هذا روحه حلوة، أو روحه رياضية). وهناك العكس (ونقول عنه هذا روحه أو نفسه في...، ونفسه شينة، وماله نفس، وضيق خلق). وهناك من يكمن في داخله اتجاهات معاكسة ودرجات متفاوتة من الخيارات والقرارات وهم من يواجهون صراعات داخلية ونفسية، واحتدام مشاعر، وترددا، وتراجعا، وتأرجحا، وعمق تفكير، واستعجالا وقد نطلق عليهم أنهم وسطيون متنازعون داخل أنفسهم يخلطون العمل الصالح، والشعور، والتعامل الطيب، والخير، بالعمل غير الصالح، والشعور الضبابي، والتعامل الفظ. وحقيقة الناس أنهم على قسمين، فإما أن يكون شخصا مؤثرا، أو يكون فردا متأثرا، فحقيقة الإنسان بين التأثير والتأثر وما الموضات والصرعات والتقليد إلا دليل واضح على درجات التأثر والتأثير البشري. ونحن في مجتمعنا نحتاج إلى التفاعل الاجتماعي، والتواصل النفسي، والتعامل الأخلاقي في كل اتصالاتنا عامة وفي العمل وخصوصا العمل الذي يقوم على مواجهة ومقابلة الجمهور، أو المستفيدين مباشرة فمن قَبِل بهذا النوع من الأعمال لا بد أن يتحمّل ويحتسب. كذلك في الأعمال الإنسانية لا بد أن تكون الروح حلوة والنفس طيبة والصدر رحبا، والبال واسعا ليكتشف الإنسان وقتها سماته الداخلية وقدراته على صنع علاقات طيبة، وتفاعلا ايجابيا مع الآخر؛ فلا نجعل عصبيتنا وعقليتنا الهشة تسبق بوح أرواحنا المضيئة ولنتشّرب داخلنا تعاليم ديننا الحنيف الذي يدعو إلى اللين والإحسان. الروح الطيبة والمشاعر والأحاسيس الراقية تنمو وبسرعة حين تُسقى بالإيمان، والعقلانية، والهدوء، ولا نحتاج إلى برمجة عصبية أو بطنية.. نحن نحتاج فقط إلى تغذية الروح بالإيمانيات الراشدة، والذكر الحكيم، واستعمال القلب كبصر لنا، واستخدام العقل كقلب لنا. ختام القول: لا بد أن نعلم علما وثيقا أننا حين نتعامل مع الآخر بروحنا لا أجسادنا فنحن نؤثر حقا، وحين يتعامل الآخر معنا بروحه الطيبة فهو سيؤثر حتما فينا فيكون الاقتداء، فكما نتأثر بموضة وتقليد الشكليات والصفات الجسدية فنحن نستطيع ان نتأثر بموضة وتقليد الأرواح الطيبة فلنحرص على بناء الروح الطيبة وصيانتها داخلنا، كما نحرص على بناء أجسامنا وتغذيتها وصيانتها. ولنتكئ دوما على جدران العزيمة والرشد والصبر. * مستشار إعلامي ومدرب