هكذا مضى أكثر من نصف شهر رمضان المبارك ونحن نعيش أجمل أيام العمر في تلك الفترة، ونحن نتذوق روحانية هذا الشهر الكريم الذي أفاض علينا بكرمه ونسماته العطرة التي تمتلئ بها الصدور. إن ذلك الشهر الذي ننتظره من العام للعام يأتي علينا ويمر سريعًا حيث إننا جميعًا في تلك الأيام نقول: ها نحن في بدايته ولكن قد مضى النصف منه تمر أيامه سريعة، وكذلك هي الأيام الجميلة ذات الطعم الجميل. وهكذا عندما رحلت الأيام العشرة الأولى برحمة ومغفرة، وها نحن نعيش أوسطه مغفرة من رب العالمين، وما هي إلا أيام معدودة وندخل في العشر الأواخر منه وهو عتق من النار نسأل الله أن يتقبلها منا جميعًا. للعشرة الأخيرة من هذا الشهر والتي ستهل علينا بعد أيام قليلة، ولها أهمية وخاصية وطابع ذو مذاق مختلف لما فيه من فضل عظيم امتثالًا لنبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لم يجتهد في غيره، فقد كان يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر وفي الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (كان إذا دخل العشرة أحيا الليل وأيقظ أهله وشد مئزره)، (وشد مئزره) كناية عن الاستعداد للعبادة والاجتهاد فيها زيادة عن المعتاد، ومعناه التشمير في العبادات. وقيل وهو كناية عن اعتزال النساء، وأحيا الليل بالسهر في الصلاة وغيرها، (وأيقظ أهله) تعني أنه أيقظ أزواجه للقيام لأداء الصلاة والدعاء لرب العباد -عز وجل- وبالذكر والعبادات وقراءة القرآن وسائر العبادات. يكفي أن هذه العشرة فيها ليلة لا تتكرر إلا في السنة مرة واحدة وهي ليلة القدر في قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ). أيضًا الاعتكاف في هذا الشهر أمر مهم وهو لزوم المسجد للتفرغ وطاعة الله ومن ميزة هذا الاعتكاف أنه ينشغل الإنسان بالذكر والاستغفار والقراءة والصلاة والعبادة، وأن يحاسب نفسه وينظر فيما قدم لآخرته، وأن يجتنب ما لا يعنيه ويقلل من الخلطة بالخلق، وهذا ما يسمى بالخلوة الشرعية مع الله. تعتبر تلك الأيام ذات بركة ونفع كثير؛ فلا بد أن نغتنمها ونعمل جاهدين بجني الكثير من ثمارها وثوابها والعتق من النار وكسب رضا الخالق سبحانه وتعالى حتى يتحقق لنا السعادة المستمرة من خلال تلك الأعمال. لا شك أن الأيام القادمة والتي نسميها العشر الأواخر لها فضلها الكبير وهي تشمل عددًا من الطاعات التي تزيد الثواب والقرب من رب العالمين فالاجتهاد بالليل وإنهاض الأهل والأولاد والحرص على الصلاة وقيام الليل في الثلث الأخير من رمضان. تلك الأيام الجميلة والرائعة والتي هي جالبة للخير الوفير والثواب العظيم لا بد لنا من أن نتكاتف سويًا حتى نعمل جاهدين من أجل تحقيق ما أوصانا به نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم-. أخيرًا شهر رمضان هو فرصة لكل من أراد أن يغتنم ويتزود للعام، يتزود بالبركة والثواب العظيم والعتق من النار والخير الوفير في الدنيا والآخرة؛ فشهر رمضان كل أيامه تحمل الخير وهنيئًا لنا أن بلغنا الله أوله ووسطه وإن شاء الله آخره بالتقوى والعمل الصالح.