حذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس الإثنين، من أن مقاتلي تنظيم داعش الذين ينشطون في سورياوالعراق يخططون لهجمات محددة تستهدف بريطانيا، وقال: إنهم يشكلون خطرا وجوديا على الغرب، ووضعت بريطانيا مؤشر التأهب من خطر الإرهاب الدولي عند مستوى "شديد" ثاني أعلى مستويات التأهب في بريطانيا، والذي يعني أن احتمالات وقوع هجوم "مرجحة بشدة". وتقول الشرطة، إنها نفذت واحدة من أكبر عملياتها لمكافحة الإرهاب خلال عقد بعد قتل السائحين في تونس, وقالت هيئة الإذاعة البريطانية، إن عدد القتلى البريطانيين في هجوم الفندق التونسي سيتضاعف ليصل إلى 30 على الأقل، بمجرد الانتهاء من تحديد هوية باقي الضحايا. وأضافت بي.بي.سي، أن الملكة إليزابيث بعثت "بتعازيها الحارة" لأسر الضحايا وأنها أعربت عن شعورها "بالصدمة" إزاء الهجوم. وقال كاميرون لإذاعة (بي.بي.سي): "إنه خطر وجودي لأن ما يحدث هناك هو تحريف لدين عظيم وخلق لجماعة الموت السام التي تغوي الكثير من العقول الشابة." وتابع: "هناك أناس في العراقوسوريا يخططون لتنفيذ أعمال مروعة في بريطانيا وغيرها. ومادامت داعش موجودة في هذين البلدين فنحن في خطر." أكثر تشددا وكتب كاميرون مقالا في صحيفة ديلي تلجراف قال فيه: إنه يريد من السلطات تبني نهجا أكثر تشددا ضد المتطرفين في بريطانيا، وبذل مزيد من الجهود للتصدي لما وصفه بأفكارهم غير المقبولة. وكتب كاميرون، "ينبغي ألا نتسامح مع عدم التسامح.. وأن نرفض أي شخص تؤيد أفكاره الخطاب المتطرف." تنبيه ملح وفي السياق، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، نوربرت روتجن، الهجوم الإرهابي على مدينة سوسةالتونسية الساحلية "تنبيها ملحا" لحاجة تونس إلى دعم أقوى وأشمل مما هو عليه الحال الآن. وقال السياسي المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل في تصريحات لصحيفة "باساور نويه بريسه" الألمانية الصادرة، أمس الإثنين: "تونس بارقة الأمل الوحيدة في المنطقة بأكملها. يتعين على أوروبا فعل المزيد من أجل نجاح تونس... ما نفعله الآن هناك قليل بصورة مخزية". وذكر روتجن أن تونس بحاجة إلى تطوير الهياكل الاقتصادية والمؤسسية للدولة وتحسين إعداد وتسليح الشرطة، وقال: "يتعين على تونس أن تتطور من بارقة أمل إلى نموذج للنجاح، حتى نرى أنه يمكن لدولة إسلامية الربط بين الإسلام والحداثة بنجاح". وكانت ميركل تعهدت للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، مطلع الأسبوع الجاري، بمزيد من الدعم في مكافحة الإرهاب. من جهته، يرى رئيس هيئة حماية الدستور الألمانية "الاستخبارات الداخلية" هانز-جيورج ماسن وجود صلة غير مباشرة بين الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرنساوتونس. وقال ماسن في تصريحات للقناة الأولى في التليفزيون الألماني "(إيه آر دي" أمس، إن تنظيم "داعش" يدعو منذ فترة طويلة إلى تنفيذ هجمات، موضحا أن هناك انطباعا لدى السلطات الألمانية بأن مرتكبي الهجومين بالقرب من مدينة ليون الفرنسية وسوسةالتونسية فعلا ذلك بتأثير من داعش، مضيفا أن هناك علاقات أيديولوجية ترعاها داعش. مواهب الرقص ويقول تقرير لوكالة "رويترز" انه في ليل الأربعاء الماضي، وبعد الإفطار مع عائلته جلس سيف الزرقي مع أصدقائه في مقهى بمسقط رأسه في قعفور وتجاذب معهم الحديث حول كرة القدم وفريقه المفضل وعن موسيقى الراب ومواهبه في رقص البريك دانس. وصباح الخميس، التقى سيف عمه علي الرزقي ليتحدث معه عن شؤون العائلة التي عاد إليها ليقضي عطلته بعد انتهاء العام الدراسي وانتهاء الدروس في الكلية التي يدرس بها في مدينة القيروان التاريخية. ولكن اليوم التالي وهو يوم الجمعة كان مختلفا عن الأربعاء والخميس.. مشى سيف الرزقي بثبات على شاطئ فندق مرحبا امبريال في منتجع سوسة السياحي الشهير ثم فتح النار من سلاح الكلاشينكوف وقتل في خمس دقائق 39 سائحا أجنبيا في هجوم تبناه داعش. مرة أخرى، تلقت تونس صدمة قوية بتحول أحد أبنائها من الذين تبدو حياتهم عادية إلى متشدد يحمل ايديولوجيا عنيفة قادته لأسوأ هجوم دام في تاريخ البلاد. ومرة أخرى أيضا، سقط شاب حاصل على تعليم جيد فريسة في يد جماعات دينية متشددة استقطبته وحولت وجهته من كرة القدم والرقص والموسيقى إلى "مستنقع المتشددين". الرحلة الدموية وفي بلدة قعفور النائية والمعزولة شمال العاصمة تونس لا يدري أصدقاء وجيران وعائلة الرزقي، كيف أصبح ابنهم وصديقهم المفضل قاتلا مسؤولا عن أكثر هجوم دام في تاريخ البلاد. وقال مسؤولون وشهود، إن الرزقي كان المسلح الوحيد الذي فتح النار باتجاه السياح على الشاطئ ثم توجه للمسبح داخل الفندق ليحصد مزيدا من الأرواح قبل أن يكمل رحلته الدموية داخل أروقة الفندق ويقتل بعد ذلك برصاص قوات الشرطة. الرزقي الذي تخفى في زي سائح وأخفى سلاحه بإتقان تحت مظلة شمسية سرعان ما كشف وجها قبيحا فاتحا النار ليقتل عشرات السياح من بريطانيا وألمانيا وبلجيكا أثناء استجمامهم على الشاطئ. الرزقي -الذي كان مولعا بالبريك دانس والراب وكان يعشق فريق النادي الافريقي المتوج بدوري تونس لكرة القدم- كان يعمل في أحيان كثيرة عندما يعود إلى بلدته قعفور في مقهى بلحسن في وسط البلدة. وأمام بيت العائلة المتواضع يجلس عمه علي الرزقي على مقعد، حيث ستقيم العائلة سرادق عزاء بانتظار تسلم جثة ابنهم. ويقول علي لرويترز، "لا أحد يمكنه أن يتخيل أنه يمكن أن يبث في نفوسنا ونفوس العالم كل هذا الرعب". عمه الذي بدا متأثرا ومنهارا، قال: إن ما حصل "أمر غير مشرف ولكن ما يثير قرفنا وقلقنا أنه (سيف) سقط ضحية... وأضاع حياته ومستقبله ودراسته المتفوق فيها.. مرعب أن ترى أناسا أبرياء يقتلون بذلك الشكل البشع." ويروي أصدقاؤه وجيرانه، أن الرزقي كان شابا مواظبا على صلاته وأحيانا في البيت، ولكنه لم يكن يتحدث تماما عن المسائل الدينية. الرزقي الذي كان يدرس ميكانيكا الطيران في القيروان كان يفضل العودة لقعفور باستمرار للالتقاء بأصدقائه. وقبل يومين فقط من الهجوم الدموي الذي نفذه في سوسة التقى سيف مع أربعة أو خمسة من أصدقائه في مقهى ودار بينهم حديث عن الكرة وردد مع رفاقه أغاني وأهازيج الكرة التي تطلق في مدرجات كرة القدم. ويقول محمد وهو صديق مقرب من سيف "لم تكن لديه أي علامات تشدد ديني .. بل هو لم يتحدث معنا تماما في الدين.. إنها صدمة عنيفة أن ترى صديقا لك قضيت معه وقتا طويلا يتحول إلى قاتل بلا رحمة." خطوات متشابهة ومهما كان دافعه، فإن الرزقي سار في طريق مماثل لعديد من أقرانه من لاعبي كرة قدم وطلبة وموسيقيين تركوا مدنهم وعائلاتهم وارتموا في أحضان تنظيمات دينية متشددة في تونس وليبيا وسوريا وغيرها. إلا أنه لم يتضح بعد بشكل جلي كيف سقط الرزقي في هذا التيار. وهناك إشارات قليلة لكيفية استقطابه ضمن تنظيمات متطرفة. فمسجد قعفور لم يكن تحت سيطرة أئمة متطرفين. الرزقي قضى حوالي ثلاث سنوات يستأجر بيتا في مدينة القيروان التاريخية. ومنذ 2011 توسع نفوذ جماعة أنصار الشريعة وتمكن متشددون من السيطرة على منابر عدد من المساجد هناك. ولكن السلطات قالت، إن الرزقي لم يكن على لائحة المراقبة، وكان غير معروف لدى الأمن ولم تحم حوله شبهات تطرف. الذئاب المنفردة وقال مسؤول أمني رفيع لرويترز: "الثابت أنه كان في الأشهر الأخيرة على علاقة مع متطرفين عبر الانترنت." وقد يكون الرزقي نفذ هجومه الدموي على طريقة تعرف باسم "الذئاب المنفردة" متأثرا بخطابات الجهاديين قبل أن يلتحق بتنظيم متشدد ولكنه أخفى بشكل متقن هذا السر حتى الساعات الأخيرة من حياته مراوغا قوات الأمن في بلاده وأصدقائه وعائلته وكل من عرفه بهجوم دام أزهق خلاله أرواح عشرات السياح. ويقول أحمد العجيمي، وهو صديق قريب من الرزقي لرويترز: "سيف كان بارعا في البريك دانس، وكان طيبا وخلوقا وبشوشا، ولا يغضب بسرعة، وإن غضب فيعود بسرعة للمزاح." ويضيف صديقه:"من الصعب أن تصدق هذا.. لا يمكن أن أتخيل أن صديقي الذي قضيت معه سنوات في اللهو والرقص هو ذاك الشاب الذي بين يديه سلاح كلاشينكوف وراح يقتل يمينا ويسارا.. الآن نحن نعيش حياة مجنونة فعلا يتعين أن تتوقع فيها كل شيء."