سالت مداد كثيرة بشأن الحديث عن مستقبل الصناعة النفطية، ومصير البلدان المعتمدة على تلك الصناعة، ومنها بالطبع بلدان الخليج. فمنها دراسات علمية واقتصادية تتناول تاريخ تلك الصناعة وواقعها ومستقبلها، ومنها تحليلات وتنبؤات وكتابات عاطفية وأحياناً ثرثرة من أجل إبقاء الموضوعات حية وآنية. وبالطبع كانت تتفاوت بين التحذير من كون العالم قد وصل إلى ذروة الإنتاج النفطي، بمعنى أنه قد بدأ في الانحدار نحو تقلص هذه المادة الحيوية، مما يثير الصراع العالمي على منابعها؛ وبين التنبيه إلى أن العالم الصناعي قادر باستمرار على ابتكار وسائل جديدة للطاقة، مما يجعل البلدان المعتمدة على ديمومة قيام اقتصادها على هذا المنتج ستعاني من انتكاسات خطيرة. وكان لكل فريق واتجاه بعض المبررات والحجج، التي تصب في صالح آرائه، لكنها بقيت نظريات يدحض بعضها واقع العالم خلال خمسة العقود المنصرمة. وقد اتضح خلال هذا العقد أن نظرية "نقطة الذروة"، والتخويف من نضوب النفط ليست واقعية، في هذه الحقبة على أقل تقدير؛ فقد أصبحت البلدان المنتجة للنفط من داخل أوبك وخارجها تتصارع على حصصها في السوق، وليس على إبقاء نفطها في حقوله تحسباً لنضوبه، واستفادتها من فترة ندرته. لكن ما أصبح واقعياً هي النظرية الأخرى، المتمثلة في كون العالم الصناعي يسعى إلى ابتكار المزيد من الوسائل المستجدة تبعاً للتقنيات المبتكرة في آلياتهم وأسلوب حياتهم، وواقع البيئة العالمية على الأرض، خصوصاً إذا كان المتحكم في مصادر الطاقة غيرهم. فبدءاً من أزمة 1973م، لم يتوان الغرب عن التفكير في ترشيد الطاقة والتحول عن مصادرها الإحفورية، بعد أن أدى الحظر النفطي الذي فُرض عليهم جزئياً إلى مضاعفة أسعار النفط، وتخوفهم من بقاء أمنهم ورخائهم مرتبطاً بأيدي غيرهم. فتحولوا في وسائل المواصلات العامة إلى تسيير القطارات والحافلات بواسطة الكهرباء المستمدة في أغلبها من الطاقة النووية. وبعد ثلاثة عقود من بدء هذه الاستراتيجية، أصبحت صناعة إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدةالأمريكية والرمال في كندا واحدة من أهم مصادر الطاقة في العالم، لتتفوق الولاياتالمتحدة هذا العام على السعودية وروسيا في إنتاج النفط، وتصبح هي الأولى في العالم. وقد أصبح هذا الخيار الصناعي ممكناً في كل دول العالم؛ ولو اتجهت إليه الصين خلال هذا العقد (وهو نظرياً ممكن)، لبقيت البلدان المنتجة للنفط تبحث لها عن أسواق في البلدان النامية فقط، التي لا تستطيع ربما تصنيع النفط من المواد الأولية. لكن قمة الدول الصناعية السبع، التي أقيمت في بافاريا بألمانيا في يونيو 2015م أعطت مؤشراً آخر أقوى؛ فقد قررت هذه القمة الحد من آثار ثاني أكسيد الكربون على المناخ، وتحويل الاقتصاد الصناعي (وسيتبعه بالطبع العالمي) نحو تقليص شامل يتراوح بين 40% و70% مع حلول العام 2050م في إطار مجهود عالمي، لمكافحة الاحتباس الحراري. وهذا يعني إنهاء حقبة الوقود الإحفوري (النفط بالدرجة الرئيسة، إذ إن الفحم قد تقلص دوره إلى ما دون 10%)، وأن مؤتمر باريس الذي سيعقد في ديسمبر من هذا العام سيضع خارطة طريق شاملة لضبط الأهداف والخطوات اللازمة لتحقيق هذا المسعى. وهم في الواقع، قد سعوا خطوات في هذا المجال بابتكارهم السيارات الكهربائية، ثم الطائرة المعتمدة على الطاقة الشمسية، التي تمت تجربتها هذا العام، وأخيراً الطائرة المائية التي يجري تصميمها منذ سنوات، وستدخل التجربة العام القادم، وهم قوم إذا قالوا فعلوا. فماذا نحن فاعلون؟ هل ننتظر فقط، أم نتهيأ في أقل الأحوال؟.