ودعت تركيا هذا الأسبوع الرئيس التركي التاسع «سليمان ديميريل»، عن عمر ناهز 91 عاماً، قضى 50 عاماً منها في مُعترك السياستين الداخلية والخارجية فاستحق لقب «أبو السياسة التركية» حيث فرض احترامه حتى على معظم خصومه السياسيين ومنهم الرئيس التركي أردوغان والذي نعاه بقوله «تلقيت خبر وفاة الرئيس «ديميريل» بتأثر شديد، أترحم عليه وأقدم التعازي لأسرته وأقربائه ولشعبنا فقد كان ديميريل رجل دولة وسياسة يحتل مكانة بين الأسماء المهمة في تاريخنا السياسي، وله إسهامات في تنمية البلاد، كما أنه ترك أثراً عميقاً في التاريخ السياسي التركي والشعب التركي العزيز سيتذكره للمهام التي تولاها، والخدمات التي قدمها، ودوره السياسي البارز في البلاد». ولد «سليمان ديميريل» في الأول من نوفمبر 1924م في إسلام كوي بمدينة اسبارطة ودرس بها ثم التحق بجامعة اسطنبول التقنية، وتخرج من كلية الهندسة المدنية عام 1949م ثم عُين مديرًا عامًّا لإدارة شؤون المياه التركية، ولقب ب «ملك السدود» نظراً للسدود ومشاريع المياه التي أنشئت إبان ترؤسه للإدارة وأشهرها سد «أتاتورك». خاض «ديميريل» غمار الحياة السياسية عام 1962 وفي أكتوبر 1965،أصبح رئيس الوزراء التركي الثاني عشر وكأصغر رئيس وزراء في تاريخ تركيا، ثم شكل الحكومات في 1969 و1970 و1975 و1977 و1979. وترأس حكومة الأقلية، المدعومة من قبل حزبي «السلامة القومية» و «الحركة القومية»، عقب انتخابات 1979م، ثم اضطر للانسحاب من المعترك السياسي عقب انقلاب 12 سبتمبر 1980. ثم مُنع «ديميريل» من ممارسة العمل السياسي لمدة عشر سنوات بموجب دستور عام 1982، وعقب السماح بتشكيل الأحزاب السياسية مُجددًا بعد الانقلاب، أسس «ديميريل» حزب «تركيا الكبيرة»، إلا أن الحزب أُغلق، فوُضع «ديميريل» قيد الإقامة الجبرية، بدعوى انتهاكه حظر العمل السياسي المفروض عليه. وبعد إلغاء حظر العمل السياسي عليه عام 1987م فاز حزبه تحت اسم «الطريق القويم» في الانتخابات البرلمانية عام 1991، فشكّل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي انتهت بوفاة الرئيس الثامن تورغوت أوزال المفاجئة وانتخاب سليمان ديميريل رئيساً للجمهورية التركية في 16 مايو 1993م وحتى 16 مايو 2000م وبعد تقاعده قال «اذا ما عدت إلى بيتي، فلن يكون ذلك من اجل أن اهتم بالحديقة». وكان يظهر من وقت إلى آخر لإسداء نصائحه إلى الطبقة السياسية، لكنه لم يتنكر لشعاره الوطني: «أنا فوق الأحزاب السياسية». رئيس الوزراء «أحمد داود أوغلو»، نعاه بقوله «الرئيس سليمان ديميريل ترك أثرًا عميقًا للغاية في التاريخ السياسي التركي وكان رجل سياسة، يتمتع بأسلوب فريد من نوعه، وسيتذكره الجميع بخدماته التي قدمها لبلدنا عبر حياته السياسية الطويلة». لعب رئيس الوزراء ثم الرئيس سليمان ديميريل دوراً هاماً في السياسات الدولية والشرق أوسطية طوال خمسة عقود حيث كانت تركيا رأس حربة أساسية في معادلة الحرب الباردة، والذي يتصفح كتابه سيجد صوره مع جميع زعماء المنطقة في العقود السابقة حيث كانت تركيا تمارس سياسة حذرة ومتوازنة في تعاملها مع دول الشرق الأوسط. الذي يريد أن يقرأ خلاصة ومختصر تاريخ تركيا السياسي لمدة خمسين عاماً، بما فيها من نشاطات سياسية وانقلابات وصراعات أيديولوجية بين القوميين والإسلاميين واليساريين والأكراد وسجن ومنع من السياسة، عليه أن يقرأ السيرة العملية لبابا سليمان ديميريل الاب الروحي للسياسة التركية والمشهور بقدرته على نسيان الماضي مهما كان أليما عبر مقولته الشهيرة التى تدعو لتجرع الألم الماضي والنظر للمستقبل «أمس هو أمس، واليوم هو اليوم». ليغفر الله له ويتغمده برحمته الواسعة. * محلل سياسي