برامج شهر رمضان أصبحت في كثير من موضوعاتها مملة ورتيبة، غير أن هناك إشراقات جميلة تبرز كحالات استثنائية تضفي مزيدا من التنوع والرقي الإبداعي في الطرح والتناول الفكري والثقافي والترفيهي، وهنا اتوقف عند البرنامج الحواري «ليطمئن قلبي» الذي يقدمه الإعلامي سعود الدوسري على قناة روتانا خليجية ويستضيف فيه يوميا الداعية والمفكر الدكتور عدنان ابراهيم. البرنامج من الحيوية بما يجعله جاذبا لكل من يتابعه من خلال طرحه لأبرز القضايا الاجتماعية والدينية الشائكة، إضافة إلى تناول مشاكلنا الدينية في المرحلة الراهنة بالوطن العربي، ويشمل ذلك الأمور الحياتية والإسلام السياسي وتصويب وجهات النظر وإيضاح تعريف الوسطية في الدين الإسلامي وذلك كفيل بأن يضعنا في أول الطريق إلى الاستثناء الإبداعي في الطرح وسط غابة من البرامج الترفيهية التي تستنزف طاقة المتابعين في متابعات مكررة وغير مجدية كثيرا. المفكر الدكتور عدنان ابراهيم له أسلوب ماتع في الطرح خاصة في تشريح القضايا المصيرية في السياقات الأكثر أهمية، سياسيا واجتماعيا ودينيا، ولعل أول ما يلفت الانتباه في متابعة البرنامج هو تلك اللغة البسيطة التي تصل إلى الأسماع وتخلق إطارا دلاليا مع طيف واسع من المتلقين الذين يستمعون إلى طرح جديد بفكر مختلف وتيسير مذهل في الإقناع والمنطق. مثل هذا الأسلوب نحتاجه كثيرا في تبسيط القضايا الدينية والاجتماعية، وهي قضايا مترابطة وذات صلات بواقعنا المباشر، ولو أن كثيرا من الدعاة والمفكرين اعتمدوا خطا دعويا وخطابا فكريا سهلا ويسيرا على هذا النحو لاستطعنا اختراق عقول لطالما ظلت تبحث عن الحقيقة وهي تائهة عن الإسلام الوسطي، وبدلا من أن تجده تطرفت وأفرطت في الحصول على الحقيقة اليقينية بطريقتها الخاصة أو لدى دعاة اقصائيين وعدائيين. طروحات الإسلام الوسطي تحتاج إلى هذا النوع من الخطاب الذي يمكن أن يختصر طريق العقل إلى الحقيقة، ويمنع الوصول إلى نهايات مأساوية أو أنفاق مظلمة تنتج فكرا متطرفا يستسهل الإرهاب ويزيفه حينما يجعله جهادا، ولذلك فإننا بحاجة مؤكدة لطروحات عقلانية كالتي يطرحها الدكتور عدنان فهي جديرة بالمتابعة وكفيلة بأن تقدم إجابات لتساؤلات في عقول كثير من الشباب الباحث عن قناعاته فيضل الطريق لتقوده خطاه إلى دعاة التطرف وشيوخ الظلام. من المهم أن نحتفي ونطور خطابا فكريا ودعويا وسطيا تطمئن به القلوب، وهذا البرنامج تجربة مثيرة لمزج الإعلام بالفكر، وتطوير أداء وسائل الإعلام لخلق حالة من التوازن المطلوب بين التفريط في الترفيه المبالغ فيه، والإفراط كما في طروحات قنوات الفتنة التي ترشح عنفا وعداء ودعوات للقتل والموت باسم الجهاد، فهذه القنوات انتجت واقعا مؤلما نجني نتائجه فرقة وتباعدا وقتلا ونيات خبيثة، ما يجعل مثل هذا الفكر بارقة أمل لكف أذى دعاة الفتنة والطائفية الذين فقدوا توازنهم ووسطيتهم فسقطوا في بئر التطرف. كاتبة