دورة العام بشهورها وأسابيعها وأيامها وساعاتها تأكل من جسد الإنسان وروحه؛ فيحتاج في كل عام - كما يرى المختصون- إلى أيام أو أسابيع؛ يغير فيها من طريقة الطعام، وإدارة الوقت، والذات وتنظيم العلاقات، كذلك يراجع مستوى حركة التفكير، والقراءة، والاستماع التفاعلي، والأهم من ذلك: تجديد علاقة الروح بباريها ونافخها -الله سبحانه وتعالى- وكل هذه التجديدات، والتطويرات؛ تُستهدف في شعيرة رمضان صياما وقياما وعطاء.. في رمضان عدد من الأهداف الكبيرة؛ إدراك تقوى الله، إدارة الوقت والنفس والعلاقات، إحياء الإحساس والشعور، التراحم والتكافل، وغيره. وهذه الأهداف يسعى لتحقيقها بأمرين: بالفعل والترك؛ أما الفعل فالصلاة وقراءة القرآن والاستماع له ليلاً والصدقة، وأما الترك فالإمساك عن الطعام والشراب والنكاح وترك الجدال وزلات اللسان، وبذلك يحلي المرء روحه بالطاعات، ويخليها من المرارات والمكدرات! ومن تأمل آيات الصيام في سورة البقرة وجد أربع نهايات لها دلائل عظيمة فالأولى ختمت بتحصيل التقوى لمن صام، والثانية بثبوت خيرية الصيام للإنسان، والثالثة الوصول لمرحلة الشكر للمنعم سبحانه، والرابعة تحريك القلب بقرب الرب وحصول الرشاد لمن استجاب، والأخيرة إشارة للتفكير بآيات الله الشرعية والكونية، فخواتيم الآيات مقاصد عظيمة جعلت للصائم لكي ينالها ويصل إليها. وهذا الفرض الإلهي جعله الله أربعة أسابيع وأكثر، لأن الإنسان يحتاج هذا المدد الضخم ليغسل أوضار عام كامل من جسمه وروحه، وفي الشهر أيضا هناك مجال للسمو بعد التنظيف والتطهير، ومجال للرقي والتلذذ والقرب بعد التخفيف من ترسبات ثقل الجسد وقسوة القلب، ولذا بعد مضمار التدريب في العشرين الأول يسن زيادة القيام والخلوة بالله، خفيفاً فريداً قريباً من خالقه وحبيبه وموجده، وكم في تلك الخلوة من تسابيح ومداواة للجريح، ولذائذ تفوق الوصف، وسرور تعجز عن حصره العبارات، كيف لا؟ والعبد في رحاب الله وخال معه يبثه آماله وآلامه وأشواقه.. مردداً نداء الله: "فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"، فيستجيب مسرعا متلهفاً: "ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار". أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي بجامعة القصيم