وكانت سفينته تعبر البحار والمحيطات، وكان شراعها المحبة، ونواخذها لا يعرفون إلا التسامح، حتى أولئك المحبين الذين ينتظرون طلتها على الشاطئ لا يجيدون سوى لغة الأمل مهما بلغ الألم لنواخذتهم في بحر (الصيد). كان الجميع يتغنى بهم، ويمارس العاطفة الجياشة نحوهم، ويطرب لهم القاصي والداني، فكلما صدح صوتهم بالهولو واليامال، وصل صداهم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وتدحرج في بحر الخليج لتكبر كرة الثلج ويصل صوت (نهامهم) لأبعد مدى في (بحور) العرب. كم كان صوته جميلا وهو ينثر إبداعاته بلغة (الفطرة) لأناس لم يعرفوا يوما لغة (العصر) الدسائس والضرب تحت الحزام، ونخر سفينتهم بمسامير (القيل والقال). نعم.. كانت سفينتهم تسير وسط الأمواج حتى بدون شراع في بعض الرحلات، ومع ذلك تصل لشاطئ الأمان، ربما لأن سلامة نيتهم كانت شراعهم في سنوات طويلة، حتى وان اختلف بعض نواخذتهم مع بعض، فانهم يختلفون من أجل تحصين سفينتهم من الغرق، لا من أجل إغراقها كما يحدث في المشهد الآني الذي أدهش كل من تابع (سفينة الهولو واليامال). لم تعد البساطة عنوانا لذلك القارب الذي صال وجال في بحور نهل منها اللؤلؤ والمرجان والصدف والكنوز، وأسعد كل من كان ينتظر عودته على (السيف)، لقد تغير الحال وتغيرت النفوس، فكان لابد من الغرق بعد أن نخر البعض في خشبه وحديده لسنوات، وخرج كل واحد منهم ليعلن أمام الملأ أن الماء هو من طفح للقارب، ونسوا المسامير التي دقوها وبقوة إما لغرق قاربهم أو لانحرافه عن مساره. كم هو مؤلم أن تتكسر مجاديف السفينة بإمضاء ركابها بقصد أو بدون قصد، والمؤلم أكثر أن هناك من أجاد دور البراءة بعد الغرق، وهو أكثر من استخدم المسمار (لغرقها). الأسماء لا يمكن أن تعيد تلك السفينة للإبحار من جديد، ما لم تكن النية السليمة عنوان المرحلة الجديدة، وبعدها يبتعد من يبتعد أو يستمر من يستمر، فالشراع المبني على التسامح والمودة كفيل بمساعدة المركب على مواجهة العواصف والرياح، وما عدا ذلك لن يتغير من المعادلة أي شيء سوى (الديكور).