نصيحة غريبة وجهها صندوق النقد الدولي إلى الاحتياطي الفدرالي، قال فيها إنه يجدر بالبنك أن ينتظر إلى السنة القادمة من أجل رفع أسعار الفائدة. هذه النصيحة، على نحو مفهوم، احتلت عناوين الأخبار وهزت الأسواق في نهاية الأسبوع الماضي. من غير المعهود أن يقوم صندوق النقد بالتعليق على هذا النحو الصريح والمحدد على سياسات الولاياتالمتحدة، أكبر مساهم في الصندوق، والتي هي أكبر اقتصاد في العالم والبلد الذي يصدر الدولار، العملة الاحتياطية للعالم. فيما يلي 4 ملاحظات مهمة حول هذه النصيحة: 1. رغم أن محتوى البيان يعتبر مثيرا للجدل، إلا أنه ألقي في سياق طبيعي وروتيني. جاءت النصيحة في سياق المادة الرابعة، التي تختص بالمشاورات التي يجريها الصندوق مع البلدان الأعضاء فيه والبالغ عددها 188 بلدا، من أجل مراجعة التطورات الاقتصادية الأخيرة، والآفاق ومضامين السياسة. وفي نهاية المراجعة يعد الصندوق بيانا ويُدرِجه في التقارير التي يناقشها المجلس التنفيذي التابع للصندوق، وبعد ذلك ينشر التقرير. 2. محتوى تعليق الصندوق كان غير عادي من عدة أوجه، لكن أغرب ما فيه كان دقة البيان حول توقيت إجراء حساس بصورة خاصة في السياسة النقدية، وفي هذه الحالة على الرغم من عدم الوضوح الذي تتسم به البيانات الأمريكية. كذلك كانت هناك نقطة أخرى برزت بوضوح، وهي اقتراح الصندوق بأن الاحتياطي الفدرالي يستطيع بأمان أن يتجاوز هدفه المعلن لمعدل التضخم. 3. ملاحظات الصندوق تصطدم بجهود مكثفة يبذلها الاحتياطي الفدرالي لمواجهة هوس الأسواق بتوقيت أول «صلية» من دورة رفع أسعار الفائدة. كان الاحتياطي الفدرالي يطبق أكثر العمليات المتراخية في التشديد النقدي في التاريخ الحديث للبنوك المركزية، بمعنى أنه يحاول رفع أسعار الفائدة بوتيرة في منتهى البطء. وقد بذل مسؤولو البنك الأمريكي أقصى ما في وسعهم في محاولة إقناع الأسواق أن التوقيت أقل أهمية بكثير من حقيقة أن رفع أسعار الفائدة ستكون عملية ضحلة للغاية ومشروطة إلى حد كبير، وأن نهايتها ستكون عند سعر فائدة يقع دون المتوسط التاريخي لأسعار الفائدة. بالمقابل، جعل صندوق النقد توقيت رفع سعر الفائدة يحتل أهمية مركزية، وساهم بالتالي في زيادة مستوى التقلب في السوق. 4. أعتقد أن وراء القرار الغريب من صندوق النقد عدة اعتبارات. الأول هو أنه ربما يكون يسعى لإضافة المزيد من المنظور الدولي إلى مناقشات السياسة النقدية في الاحتياطي الفدرالي، بما في ذلك المخاوف من أن الاقتصاد العالمي يمر في مرحلة هشة تجعل من الخطر التعرض لصدمة ناتجة عن رفع أسعار الفائدة الأمريكية. الثاني هو أن الصندوق ربما يسعى ليصبح أكثر تأكيدا أمام كبار المساهمين فيه، من الذين أخطأوا بشكل مفرط، مثل اليونان، في استخدام الصندوق لتنفيذ أهداف سياسية. الثالث هو أن الصندوق ربما يكون تواقا إلى إظهار أن بمقدوره أن يكون صريحا مع جميع أعضائه، خصوصا في الوقت الذي يعرقل فيه الكونجرس الأمريكي الإصلاحات التي تمت الموافقة عليها على نطاق واسع والتي سيتم إدخالها على نظام التصويت في الصندوق ومستوى تمثيل البلدان فيه.