تمثل قرارات مؤسسة النقد التي أصدرتها فور بروز الأزمة المالية العالمية بتخفيض أسعار إعادة الشراء (الريبو) والاحتياطي الإلزامي للبنوك سياسات نقدية استخدمت كإجراء سريع لتلافي مشكلة شح السيولة التي تسببت فيها الأزمة ، فخلال الثلاثة أشهر الماضية التي استمرت فيها مؤسسة النقد بإصدار قرارات التخفيض، أبرزت كافة التقارير الرسمية وتصريحات المسؤولين بان تلك التخفيضات تمثل سياسة الدولة في التعامل مع الأزمة المالية العالمية، وأنها ستشجع على ضخ السيولة بقطاعات الاقتصاد المحلي لضمان استمرار النمو، كما إن جميع الخبراء والمحللين الاقتصاديين استمروا منذ أول قرار بالتخفيض بالثناء على خطوات مؤسسة النقد المستمرة في تخفيض أسعار الفائدة لكون ذلك سينعكس ايجابيا على قطاعات الاستثمار وسوق الأسهم لتحقيق عوائد أعلى من الفوائد البنكية المنخفضة، وقد تجاهل الجميع "كالعادة" واقع الحال لقراراتنا ومايتم تنفيذه منها! فنحن نثني على السياسات النقدية الرسمية التي لم تنفذ أصلا ونتجاهل سياسات ناقضت فعليا جهود الدولة لتلافي آثار الأزمة المالية! فالمشكلة ليست في عدم تقيد بنوكنا بسياسة مؤسسة النقد لتوفير السيولة بل في اتخاذ بنوكنا ك "تكتل" لقرارات مضادة لتوجهات مؤسسة النقد المعلنة والتي قد تخلق مشكلة بالسيولة النقدية، وقد أكدت البيانات الرسمية للشهر الماضي تسجيل عمليات إقراض البنوك للقطاع الخاص لأدنى نمو شهري خلال عام 2008م! إن قرارات مؤسسة النقد المتوالية بتخفيض أسعار الفائدة بشكل كبير وخلال وقت قصير من (5.5%) الى ( 2.5%) وتخفيض الاحتياطي الإلزامي للبنوك من (13%) الى (7%) كانت إشارة واضحة للبنوك لتشجيعها على التوسع في الإقراض لتوفير السيولة محليا ولتجنيب مؤسسات القطاع الخاص تبعات الأزمة المالية المتعلقة بالسيولة وتكلفة الإقراض، إلا أن الملاحظ هو عدم تنفيذ البنوك لسياسات الدولة (مؤسسة النقد) في التعامل مع هذه الأزمة وعدم اتخاذ المؤسسة لأي إجراء لإجبار البنوك على تنفيذ سياساتها! ففور إصدار مؤسسة النقد لأول قرار بتخفيض أسعار الفائدة، قامت بنوكنا برفع نسب فوائد القروض الى مستويات أعلى وتشددت في منح القروض، فقد كانت نسبه الفائدة المركبة قبل الأزمة لدى معظم البنوك حوالي (3.5%) وبدلا من تخفيض الفائدة بعد تخفيضات مؤسسة النقد تم رفع أسعارها الى أن تجاوزت ال ( 5.5%) وكفائدة مركبة على كامل القرض بما في ذلك المسدد منه شهريا! أليس ذلك يناقض الهدف الذي سعت من اجله مؤسسة النقد عندما خفضت أسعار الفائدة والاحتياطي الإلزامي للبنوك؟ والغريب أن مؤسسة النقد لم تقم قبل إقرار أي تخفيض جديد بتقييم ماحققه التخفيض السابق، فتنازل مؤسسة النقد ( الدولة ) عن جزء من الفائدة كان الهدف منه أن ينعكس ذلك على المقترض ويستفيد منه سواء مواطن او مؤسسة بالقطاع الخاص، فالواضح للجميع بان المستفيد الحقيقي من جميع تلك التخفيضات الكبيرة هي بنوكنا فقط! فاستمرار تلك التخفيضات الممنوحة للبنوك من مؤسسة النقد ورفع البنوك المستمر للفائدة على المقترض يؤكد القول السائد بان الهدف الذي سعي لتحقيقه هو دعم فعلي وكبير للبنوك وتحت شعار " توفير السيولة لنشاطات الاقتصاد" فمؤسسات القطاع الخاص لم تستفد من أي مرونة او تخفيض صدر من مؤسسة النقد بل أنها أصبحت تعاني ليس فقط من ارتفاع الفائدة بل من تأخير منح القروض والضمانات البنكية اللازمة لتنفيذ المشاريع، والاهم انه خلال هذه الأزمة قد تظهر فرص بانخفاض أسعار العقارات والسلع المعمرة والأسهم الاستثمارية ويحرم المواطن من استغلالها لتملك المسكن او الاستثمار بسبب ارتفاع الفوائد غير المبرر! والغريب أيضا هو عدم سماح مؤسسة النقد للبنوك الأجنبية التي افتتحت فروعا بالمملكة بتخفيض أسعار الفائدة على قروضها! فهل صمت مؤسسة النقد عن مخالفة البنوك للتوجه المعلن منها كمبرر لتخفيض أسعار (الريبو) واحتياطي البنوك كان الهدف منه منح البنوك فرصه جديدة لرفع أرباحها خلال الأزمة الحالية وتعويضها عن أي ضرر قد تتعرض له من الأزمة العالمية؟ فربما السياسات المتناقضة تحقق أهدافا متفقا عليها!! رساله sms رمز 469