«مصائب قوم عند قوم فوائد»، هكذا بدت سويسرا اليوم، وجهة سياحية للراغبين «بتذوق الموت»، فلم يعد الموت خسارة أو فقدا وحزنا وصياحا و «خراب ديار»، إذ يقضي 200 منتحر بمساعدة الغير سنوياً فيها. فبعد أن كانت شركات التأمين أكثر الرابحين من تكاثر الموت والحوادث، باتت اليوم سويسرا توفر سياحة متكاملة للراغبين في الموت، تشمل الزمان والمكان والأشخاص الذين يمكن أن يكون الشخص بمعيتهم في سكرات موته، تلك التي تسمى في الغرب ب «سياحة الانتحار»، والتي راجت في السنوات الأخيرة، وإن كانت سويسرا وشعبها يؤيدون هذا الامر بدواع إنسانية. لا تعجب عزيزي القارئ حين يقال لك إن هناك سياحة للموت يمكن أن يعيش خلالها فرد يرغب بالموت أجمل أيام أو ساعات حياته، مهما كانت أسبابه مرضا عضليا أو نفسيا أو عصبيا أو حالة ملل من الحياة، فبحسب «Journal of Medical Ethics» فإن 21% ممن يقصدون عيادة ديغنيتاس السويسرية للانتحار ضجروا من الحياة، فإن كان يملك تكلفة الرحلة تلك فيمكنه أن يموت دون أي ضوابط أو مسؤولية، فحتى للموت ثمن. وتعد المساعدة على الانتحار قانونية في سويسرا منذ العام 1941، بشرط أن لا يكون للمساعد مصلحة في وفاة الشخص المعني، وأصبح الأمر أكثر سهولة بافتتاح أحد القانونيين «عيادة ديغنيتاس» في العام 1998، التي تتولى هذا الأمر طبياً وقانونياً. ولنأتي على الشق الاقتصادي من هذه الظاهرة التي رفعت نشاط السياحة هناك ببرنامج مدفوع يشمل تذكرة الذهاب بلا عودة وينتهي بالنعش المحمول. اذ تقول دراسة هناك، إن خلال السنوات الأخيرة قضى نحو 611 سائحا منتحراً في ربوع زيورخ تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 97 عاما وتختلف أمراضهم بين عصبية وعضال وقلب، وتؤكد الدراسة أن هذه الحالات ارتفعت بعد عام 2008، وزادت خلال السنتين الأخيرتين. وفي الوقت الذي تشهد سويسرا تلك السياحة، فقد أظهرت دراسة لباحثين سويسريين نشرت في صحيفة «Lancet Psychiatry»، أن البطالة هي سبب ل 45 ألف حالة انتحار سنوياً في 63 بلداً. ولكن ليست الأزمات المادية وحدها سبباً للانتحار، ففي السنتين الماضيتين شهد العالم بالذات في العيادة السويسرية نسبة ملحوظة من إقبال رجال الاعمال والاثرياء والناجحين في عملهم على الانتحار، لأسباب متنوعة أغلبها إصابتهم اكتئاب أو أمراض لا يمكن الشفاء منها، ويبدو أن مثل هؤلاء لم يتعودوا على الهزيمة قط فيؤثرون الموت في عز مجدهم. خلاصة الأمر، يتفنن الغربيون ببدع غير مقبولة، فبين موت رحيم وسياحة الموت، يتشدقون بالإنسانية وكأنهم يضاهون لطف الخالق ورحمته بعباده. إذ ساهمت هذه الظاهرة في الاستهانة بالحياة وتقبل الموت بدلا من التشبث بالحياة، هذه الظاهرة سيكون لها عواقبها في قتل الطموح والنجاح، بالذات لدى الشباب قليل الصبر، كما بها تحد صارخ لله عز وجل.