منذ كارثة أزمة الرهونات العقارية، قامت الجهات التشريعية المالية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفي الدول الغربية بإصلاحات هيكلية في مصارفها، وفي صميم العمل الائتماني وآلية ادارة المخاطر وأسس الملاءة المالية والمعالجة المحاسبية. كما قامت بإصلاحات مهمة في آلية افصاح حقوق العملاء وغيرها مما يصب في صالح المتعامل النهائي مع المصارف. واعتقد انه مع هذه الإصلاحات الهيكلية سيكون المستقبل المصرفي للعالم اكثر امانا (من الناحية الائتمانية). الا ان هناك تحديات ما زالت تواجهها المصارف ولم يتم التعامل معها بطريقة جذرية، أو على الأقل لم تول نفس الاهتمام الذي اعطي للائتمان، ولعل ابرز هذه التحديات فرض اسس ومعايير قوية وصارمة للأمن المعلوماتي، وفرض عقوبات رادعة للمصارف التي لا تلتزم بقوانين مكافحة الإرهاب وغسل الأموال. الحقيقة ان ما ابداه حاكم ولاية نيويورك ومحافظ البنك المركزي البريطاني من تخوف من وقوع هجمة مالية تعصف بكافة المعلومات المصرفية للأفراد يؤكد مدى هشاشة النظام الأمني للمصارف في العالم وفي الدول الغربية بالأخص، والى هذه اللحظة لم يصدر معيار للتقييم على اساس الالتزام بالأمن المعلوماتي، وعلى الرغم من توقع صدور المعايير نهاية عامنا هذا، فإن تبنيها بالكامل من قبل المصارف لا بد ان يأخذ وقتا، وربما وقعت هجمة مربكة وربما ادت الى ازمة (كما يتوقع بنجامين لويسكي نفسه). كما تبرز على السطح ضعف المصارف الغربية بالأخص في قوانين مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، وهذا ما تثبته الوقائع في السنين الماضية والتي تشير الى ان الدول والمنظمات الإرهابية قامت بغسل ما يزيد على التريليون دولار في السنوات العشر الماضية وعن طريق مصارف دولية ذات اصول تريليونية، وفي كثير من الحالات بتواطؤ مسبق مع مجالس ادارات هذه المصارف واداراتها التنفيذية. وحتى هذه اللحظة ما زالت السلطات المالية (تفكر) في عقوبات جنائية تجاه الشخصيات المتورطة في مثل هذا الأمر. والى ان يصدر تشريع تجريم بحق من يثبت تورطه في مثل هذا الخزي فلا اتوقع ابدا انتهاء مسلسل تورط المصارف الدولية في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. الأزمات المصرفية القادمة لن تكون ذات طبيعة ائتمانية، نظرا للإصلاحات الهيكلية التي جرت في هذا الخصوص. الا ان هشاشة العقوبات الجزائية لمن يثبت تورطه في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وعدم تبني معايير واضحة وصلبة لتقييم المصارف على اسس تبنيها قواعد امن المعلومات يتوقع ان يؤدي لكوارث مصرفية مستقبلية. العمل المصرفي ليس ائتمانيا فقط، بل هو أمني في صميمه واساسه. وتبني قواعد وتشريعات صلبة للأمن المعلوماتي ولقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لا يقل اهمية عن تبني قواعد للائتمان وقواعد ادارة مخاطر الائتمان. وتبقى النقطة الأهم في سلامة الوسط المصرفي قيم وأخلاق من يمتهنون الصيرفة، ففساد المصرفي لا تكبحه القوانين والمعايير والأنظمة. * متخصص مصرفي ومالي