«المعرفة الحقيقية هي معرفة مقدار جهلنا». (كونفشيوس) أثبتت الأبحاث التي أجريت خلال العشر السنوات الماضية أن للذكاء العاطفي والذكاء الاجتماعي تأثيرا كبيرا على فاعلية القيادة. في بحث نشر مؤخرا، ودرس 156 قائدا وأعضاء فرقهم في منظمات هندية عدة، ثبت أن للذكاء الاجتماعي أثرا بالغا في فعالية القيادة. فقد أوضح البحث أن الذكاء الاجتماعي ومهارة إدارة العلاقات لهما قدرة التنبؤ حول فاعلية القيادة واستخدام الأسلوب الإبداعي في القيادة. كما أثبتت الدراسة أن الذكاء الاجتماعي له علاقة سببية موجبة على وجود القيادة المبدعة. من صفات الشخص الذكي اجتماعيا أنه يتقبل الآخرين كما هم، لا كما يريد هو. ويعترف بأخطائه، ويظهر اهتماما بالإنسانية جمعاء. وتراه يحضر للمواعيد في أوقاتها المحددة، ولديه وعي اجتماعي. وهو يفكر قبل البدء بالحديث أو العمل. ولديه توق للمعرفة، فلا يصدر أحكاما مبكرة. وينحو للعدل والاتزان في أحكامه. وهو يقيّم جيدا أهمية وعلاقة المعلومة بالنسبة للمشكلة القائمة لديه. وهو حساس بالنسبة لاحتياجات الآخرين ورغباتهم. ويتصف بالصدق والصراحة مع الذات والآخرين. ولديه اهتمام في البيئة المحيطة به. أكثر بكثير مما كنا ندرك، فإن لقاءاتنا في حياتنا اليومية مع آبائنا، وأمهاتنا، وأزواجنا، وأصحاب العمل، وحتى الغرباء، تشكل أدمغتنا وتؤثر سلبا أو إيجابا. وحسب الباحث الشهير في الذكاء الاجتماعي «دانييل غولمان»، فإن العلاقات الجيدة بمثابة الفيتامينات، والسيئة كالسموم. فنحن نصاب بعدوى مشاعر الآخرين كما نصاب بالزكام. كما أن الآثار المترتبة على العزلة عن الناس أو التعرض لضغوط اجتماعية كبيرة، قد تكون مدمرة لحياة الإنسان. بل إن الذكاء الاجتماعي يفسر لنا بشكل مدهش دقة انطباعاتنا الأولى، وانجذابنا لمن نحب، وقدرتنا على كشف الكذب. عندما يقع الناس تحت الضغوط، يحدث ارتفاع حاد في مستوى هرمونات الإجهاد (الأدرينالين والكورتيزول)، والذي يؤثر بقوة في القدرة على التفكير والإدراك. وعند مستويات معتدلة من الضغوط، فإن الكورتيزول يسهل التفكير والوظائف العقلية الأخرى، لذلك، فإن مستوى معقولا من الضغوط والنقد الهادف من المرؤوسين أمر مطلوب. وعندما ترتفع مطالبُ القائد بشكل كبير، بحيث لا يقوى على تحملها المرؤوسون، فإن ارتفاع مستويات هرمونات الإجهاد يمكن أن تشل القدرات المهمة في العقل. فعند ارتفاع المطالب، يركز العاملون انتباههم على تهديد الرئيس أكثر من التركيز على العمل نفسه، ويضمحل لديهم التخطيط والإبداع. وقد تعمل بيولوجيا الأعصاب ضدنا. على سبيل المثال، عندما نتعلم «عادة التوتر» من خلال التأثر أكثر من اللازم بالمؤثرات الخارجية الموترة لنا، فإننا نطور داخليا روابط تؤدي الى نفس النوع من التوتر والقلق الموجود في واقع الحياة، ولكن مصدره مخيلتنا فقط. من أجل قياس مستوى الذكاء الاجتماعي، فقد طور الباحثون آلية تقييم شاملة ذات 360 درجة، حيث يتم تقييم الشخص من قبل الرئيس، والمرؤوسين، والزملاء، والعملاء، من خلال سبع جدارات. أولها «التعاطف»، ويشمل ذلك فهم الشخص لما يحفّز الآخرين، وحساسيته تجاه حاجاتهم. وثانيها هو «التناغم»، ويعني مقدار استماع الشخص للآخرين بانتباه، والتفكير بما يشعرون به، والتناغم مع أمزجتهم. وثالثها هو «الوعي التنظيمي»، ويشمل ذلك مقدار تقدير الشخص لثقافة وقيم الفريق أو المنظمة، وفهمه للشبكات الاجتماعية، ومعرفته لقواعدها غير المعلنة. ورابعها هو «التأثير»، ويعني مقدار تأثير الشخص بالآخرين من خلال إشراكهم في النقاش وفهم اهتماماتهم، وكذلك معرفة ما إذا كان بمقدوره الحصول على دعم الناس المهمين. وخامسها هو «تطوير الآخرين»، ويتعلق ذلك بمعرفة ما إذا كان يقوم بدور المرشد لرفاقه برغبة واهتمام، ويستثمر وقتا وجهدا في تطويرهم، والأخذ بأيديهم، وإعطائهم تغذية راجعة يجدونها مفيدة في تطويرهم مهنيا. وسادسها «الإلهام»، وهو مقدار تعبير القائد عن رؤية مقْنعة، والعمل على خلق اعتزاز لدى فريقه، وإيجاد جو عاطفي إيجابي لديهم، ومقدرته على القيادة بإبراز أفضل ما في الناس. وآخرها «العمل الجماعي»، ويعني ذلك، تشجيعه للعمل الجماعي، والبحث عن المعلومة من كل أفراد الفريق، ودعم كل أعضاء الفريق، وتشجيعهم على التعاون. على الرغم من صعوبة التحول في شخصية القائد، فإن هناك وسيلة واضحة لتصبح قائدا أفضل، من خلال العثور على سياقات حقيقية يتم من خلالها معرفة أنواع السلوك الاجتماعي التي تعزز الدوائر الاجتماعية في الدماغ. وهذا يعني الاهتمام بشكل أقل بإتقان مجموعة من المهارات الاجتماعية، والاهتمام بشكل أكثر في تعزيز وتطوير المشاعر الإيجابية في الأشخاص الذين نحتاج إلى تعاونهم ودعمهم. وللقادة الذين يرغبون بتحسين مستوى ذكائهم الاجتماعي، العمل بجد لتغيير نمط تصرفهم، والحصول على الإرشاد والتوجيه المركز من قبل متخصصين في علم النفس، والتعاون على مدى طويل مع مرشد أو مدرب في هذا الجانب. هل هناك من طريقة لتنشئة أطفالنا ليكونوا سعداء؟ وكيف يمكن للقادة والمعلمين أن يلهموا الناس الذين يقودونهم؟ وكيف يمكن لمجموعات أو مجتمعات مقسومة على أساس التحامل والكراهية أن تتعايش معا بسلام؟ الأجوبة عن هذه الأسئلة قد لا تكون بعيدة المنال، كما أشار «غولمان». فالبشر مجبولون على الانحياز التعاطفي والتعاون والإيثار، شريطة تطويرنا لذكائنا الاجتماعي لنعزز هذه القدرات في أنفسنا والآخرين. أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية