يرى بعض المتابعين أن المؤتمرات الأدبية في المملكة أمست مجرد حفلات ومجاملات للنقاد، لذلك لم تواكب أوراقُ العمل التي تطرح فيها المنتح الإبداعي والأدبي، لأنها - حسب البعض - مجرد نسخ ولصق من دراسات أكاديمية ورسائل علمية. هنا وقفاتٌ يقفها "الجسر الثقافي" مع أهل المشهد الأدبي، من نقاد ومبدعين ليعبر كل عما يراه في هذه المؤتمرات سلبا وإيجابا. استراتيجية ثقافية في البدء، يرى الناقد محمد الحرز أنّ الأمر لا يمكن أن يؤخذ على إطلاقه سلبا أو إيجابا، فيقول: أولا، الحديث عن المؤتمرات الأدبية بإطلاق هو نوع من التعميم الذي يضبب الظاهرة بالقدر الذي يوضحها بالمقارنة والسؤال. لذلك أقول: حين نريد أن نتحدّث عن مثل هذه الظواهر، نسأل بداية: ماذا نعني بالمؤتمرات الأدبية؟ ويوضّح: في مشهدنا الثقافي بشكل عام والمرتبط بالأندية الأدبية، أو المؤسسات الرسمية المهتمّة بالشأن الثقافي، لم يجر حوار مكثّف وعميق حول ما نعنيه بالأدب من جهة التعريف والتصوّر، ومن ثمّ الاصطلاح عليه بين الأدباء والنقّاد في ساحتنا الثقافية، وهو المفتاح الحقيقي للدخول إلى ما نسميه تاريخ الأدب السعودي. ويؤكّد الحرز : هذا في تصوّري ما ينبغي أن يكون عليه المسار، أما ما يحدث من خلال خبرتي البسيطة في علاقتي بالأندية الأدبية والمؤتمرات، إنّ ثمة اجتهادات بعضها نضعها في خانة الاعتبار والاحترام، بما فيها مجهودات تحاول قدر طاقتها أن تقارب الظاهرة الأدبية في ساحتنا بتأمل واحترافية عالية، وبعضها الآخر مجرد قشور لا تلامس الظاهرة ولا تكاد، لذلك يجب أن نميّز بحيث لا نضع اجتهادات الأندية التي تقوم بعمل المؤتمرات الأدبية واختزالها في سلة واحدة. ويضيف: مؤخرا نظّم النادي الأدبي بجدّة مؤتمر النصّ، رغم أني لم أحضر الملتقى لكني اطلعت على أغلب الأوراق التي طرحت، وفي واقع الأمر هي جادة في مقاربة الرعيل الأول من الأدباء الذين أسسوا التصورات الأولى عن الأدب السعودي. وهذا توجه مهم ويجب الحفر فيه حتى نصل إلى نوع من التوازن في تعريفنا بالأدب المرتبط بالمجتمع وتطوراته عبر التاريخ.ويختم الحرز بالقول: والسؤال هنا: على من نضع المسؤولية حين نشير إلى الجانب الهشّ من تلك المؤتمرات التي لا تنتج سوى الهشاشة والتصورات الضعيفة عن الأدب والمجتمع؟ هل تقع - كما يقول المحور - مرةً على النقّاد أو على التنظيم المتعلّق بالأندية؟ المسؤولية في ظني تقع على الجميع، ينبغي إعادة النظر في الاستراتيجية الثقافية التي تتبعها الدولة مع الثقافة وبالخصوص الذي يشمل الأدب وفروعه. لقاءات مغلقة ويقول القاص والأديب جمعان الكرت: الذي أتمناه أن ينبري نادٍ من أندية المملكة لعقد لقاء موسع تحت عنوان ( اللقاءات الثقافية والأدبية والنقدية الواقع .. والمأمول ) يضم نخبا متنوعة ويُطرح من خلاله أوراق عمل شفافة وصريحة مثلا : إلى أي مدى حققت تلك اللقاءات من فائدة؟ لا سيما أن الكثير من اللقاءات تتم داخل حجرات ضيقة، والمشاركون هم أصحاب أوراق العمل يستمعون ويعلقون بعدها ينفض الجمع دون الوصول إلى شرائح المجتمع. ويضيف : مما نلاحظه أن أسماء المشاركين في طرح أوراق العمل تتكرر في كثير من الملتقيات ما يجعلنا بالفعل نتساءل: هل هؤلاء فقط يمثلون الساحة الثقافية؟ وإذا كان كذلك أين الأكاديميون في الأقسام الأدبية في جامعاتنا السعودية؟ هل تعاني نضوب الفكر الثقافي؟ أم أن هناك تحيزا لفئة معينة بحيث تدور بهم اللقاءات؟ ولا أشك في قوة أوراق العمل التي تُطرح لأنني وقفت على ذلك حين كنت نائبا لرئيس أدبي الباحة. وكانت الأوراق مُجودة لأن أصحابها يدركون خطورة القص واللصق في زمن التواصل الاجتماعي الذي يفضح تلك الممارسات، فالإعلام لا يرحم أبداً. ويقترح الكرت للاستفادة من تلك اللقاءات أن تقوم الجامعات بتنظيمها قائلا: أتمنى من الجامعات السعودية أن تتولى تنظيمها لعدة اعتبارات: أولا ليستفيد الطلاب الدارسون في الأقسام الأدبية من خلال الحضور والمشاركة. ثانياً: ليقدم كل دكتور رؤيته النقدية على اعتبار أن الدكتور لا يتوقف عطاؤه عند تقديم المادة العلمية فقط، بل من الضرورة بمكان أن يكون له رؤية نقدية فاحصة ومتفردة استقاها من خلال دراساته المتعددة واستخلصها من قراءاته المتنوعة. ويختم الكرت بالقول: هنا نترك للنادي الأدبي فضاء الإبداع الشعري والقصصي والروائي مع الرؤية النقدية حول الموضوع المطروح وبشكل مباشر مع الاهتمام بالموهوبين وإبراز نشاطهم الثقافي وعدم السعي وراء المطبوعات من مواقع بعيدة وترك القريبين يعصف بهم الإهمال المتعمد. دراسات عليا الشاعر والمترجم الدكتور شريف الشهراني يؤكد وجود المجاملات قائلا : لعل معظم الملتقيات الأدبية لم تسلم من المجاملات والعلاقات الشخصية وتكرار نفس الشخصيات والوجوه من مؤتمرات سابقة. لنكن صرحاء في الدعوات الشخصية في معظم المؤتمرات يلزمها علاقات شخصية، لذلك يتكرر علينا الطرح الثقافي رغماً عنا. في الجانب الآخر الذي يخص محتوى الأوراق العلمية نرى أن معظم الأوراق المطروحة خاصة من النقاد السعوديين مجرد قراءة لرسائلهم في الماجستير أو الدكتوراة رغم توافر تلك القراءات والرسائل منشورة لمن أراد بحثها. ويضيف : ما نبحث عنه كشباب سعودي واع هو الفكرة الجديدة والطرح الجديد المؤثر، نبحث عن فتح جديد وتبن لنظريات وقيام لحركات جديدة تغرد خارج السرب المعهود. اشتغالات صحافية وترى القاصة والكاتبة شمس علي أن مؤتمراتنا الأدبية غالبا بلا قيمة حقيقية يعول عليها في المشهد الأدبي، وتضيف: ليس فقط لأنها حفلات مجاملات شكلية وظيفتها الرئيسة - كما يبدو - تكريس لأسماء من ناحية الحضور والمشاركة، وإنما أيضا لضعف - للأسف - محتوى ما يقدم خلالها من أوراق، هي أقرب لاشتغالات صحافية مسلوقة بعيدا عن روح البحث والدراسة. وتختم شمس بالقول: فرصة المشاركة في المحافل الأدبية وحركة النقد لدينا مرتبطتان غالبا بالمجاملات والعلاقات الشخصية، وهي عادة قراءات لا تقوم على أسس نقدية سليمة، وإنما في غالبها مجرد انطباعات. مشكلات كبيرة في حين تؤكّد الأديبة شمس المؤيّد النظرة السلبية فتقول: وأنا أيضًا أتفّق بقوّة مع وجهة النظر هذه، مع الأسف الأمر كذلك، وأحيانا تكون المجاملات من طرف النقّاد أو من نعتبرهم نقّادا لمن تربطهم بهم صداقاتٍ من الأدباء أو علاقاتٍ من أيّ نوع كان. النقد الصادق الجاد ليس موجودا في عالمنا العربي ككلّ وفي مشهدنا الثقافي المحلّي بشكل خاص. وعن الاسباب العميقة لغياب النقد، وعمّا إذا كانت مرتبطة بضعف في التنظيم والاختيار أم ضعف النقاد بشكل عام، تقول: نستطيع أن نقول: إنها عوامل مجتمعة مثل: ضعف التنظيم، قلّة الخبرات، وجود الواسطات، ضعف مستوى غالبيّة النقّاد وخوفهم من هجوم الكتّاب ومن يساندهم إذا أظهروا آراءهم الصريحة فيما يقدمونه. عزوف المختصّ نائب رئيس نادي حائل الأدبي رشيد الصقري يرى أنّ عزوف الناقد الحقيقي عن المشاركة في المؤتمرات الأدبية أتاح الفرصة لأوراق عمل مقدمة من غير مختصين أو مبتدئين، كما يندر وجود الأكاديمي المثقف الذي يسهم في الحراك الثقافي. أما المجاملات فيستبعدها الصقري "لأن القائمين على الأندية الأدبية حريصون على نجاح فعالياتهم" على حدّ قوله. تعميم مريب الشاعر أحمد الهلالي قال: لا يظهر لي الضعف بمعناه الحقيقي في المؤتمرات الأدبية أو الثقافية، ولا أظن الحكم منصفا إن لم يعتمد على دراسات مسحية وبحثية، تعتمد على نماذج حقيقية. فالتعميم في هذه المسألة غير مبرر، ومن باب الأمانة فقد حضرت العديد من الملتقيات، سمعت فيها أوراقا علمية قوية، وأيضا أوراقا متوسطة وربما تأتي بعض الأوراق الضعيفة، وهذا حال كل الأعمال الإبداعية والأدبية، فلا يمكن أن تكون كلها بذات المستوى من حيث القوة والضعف. ويضيف: لكن أين تكون درجة الضعف؟ هل تصل إلى درجة الركاكة أو البعد عن الصحة والموضوعية البحثية؟ لا ضير أن يجلب الأكاديميون أبحاثهم ما دامت تضيء ذات النقطة التي حددتها أمانة المؤتمر، ولا تخرج عن سياقها. ويوضح الهلالي: ربما نستطيع مناقشة المجاملات وتكرار الأسماء في المؤتمرات، لكن ضعف الأوراق العلمية لا يكون حكما انطباعيا، وإن حدث لا ينسحب على كل الأوراق المقدمة، لا سيما أن كل المؤتمرات تفتح باب النقاش بعد كل ورقة تقدم. صورة جامدة ويؤكد القاص عبدالله النصر أن هذه المؤتمرات أصبحت اليوم بهذا الشكل، حيث خلت من التركيز على المادة الأدبية والثقافية.. إذ لو تساءلنا : أين ما قدمته لنا من تقدم وتطور في المادة الأدبية وتعزيز مكانتها ورفع شأنها على المستوى المحلي والإقليمي؟ يأتي الجواب : لا شيء يذكر، مقابل ما يقدمه بعض المؤتمرات العالمية. ويختم النصر متمنيا "أن تتواصل المؤتمرات المحلية بالمؤتمرات الخارجية المتقدمة وتتلاحم وتتعاون معها في سبيل الاستنارة منها، بل ونتمنى أن تقام هذه المؤتمرات في أماكن مختلفة تساعد على الحراك الثقافي فيها وتثري المؤتمر نفسه بالمواد المتنوعة، بل ودعوة المبدعين الشباب الجدد للمشاركة فيها.