وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مَنْ خَلِيقَةٍ وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمِ «زهير بن أبي سلمى» يقال إنه عندما نبحث عن شخص لتوظيفه، يجب أن نبحث فيه عن صفات ثلاث: النزاهة، والذكاء، والطاقة. فإذا لم تكن لديه النزاهة، فإن الصفتين الأخريين مدمرتان. فمن الأفضل أن يكون غبيا وكسولا، إذا لم يكن نزيها. في الجزء الأول من المقال، ذكرنا النتيجة المذهلة التي اكتشفها فريق البحث بقيادة «فريد كييل»، وملخصها أن شخصية قائد المنظمة (المكونة من أربعة عناصر، هي مستوى نزاهته، وتحمله مسؤوليته، وصفحه، وتعاطفه مع الآخرين) هي خير مؤشر على نجاح وربحية المنظمة. وطرح الباحثون مفهوما جديدا سمّوه «العائد على الشخصية». وأثبتوا بالأدلة أن دور شخصية قائد المنظمة أمر أساسي في نجاح أي منظمة، ماليا وإداريا. لاكتشاف شخصية القادة، لا يكفي النظر في سِيَرهم الذاتية، فكلها متقاربة. ولا تكفي مقابلتهم شخصيا، فهم أذكياء وطموحون ومتحدثون بارعون، ويملكون الدافع والطاقة. ما يهم هو معرفة طفولتهم ونشأتهم، وسؤال الناس عن طريقتهم في التعامل مع الآخرين. فقد تبين أن القادة أصحاب الشخصيات الفاضلة قد نشأوا بين أبوين مربيين وداعمين، أو أتيحت لهم الفرصة للعيش في كنف عائلة ممتدة يوجد بها الأجداد والأخوال والأعمام، حيث حصلوا على رعاية تامة. وكذلك فهم حصلوا على اهتمام أساتذتهم ومربيهم. كل هؤلاء الداعمين يشجعون الطفل على التفكير والتعلم من تصرفاته. حتى لو ارتكب أحدهم خطأ أخلاقيا، فإن مرجعيته الأخلاقية تعينه على تصحيح ذلك. وتجعله قادرًا على صنع وصياغة قصة حياة متماسكة لها معنى، تقوده في توجيه سلوكه واتخاذ قراراته. فطفولة القائد تمثل مؤشرا واضحا على أدائه الوظيفي. لذلك، فإن أفضل وسيلة لفحص ومعرفة القادة الواعدين من بين المرشحين المحتملين لشغل منصب الرئيس التنفيذي هو إجراء مسح صحيح علميا لقياس سمعة شخصية المرشحين. وينحصر مصدر المعلومات في الأشخاص الموجودين في حياة المرشح والذين يعرفونه بشكل جيد. وتسمى هذ الطريقة «حكمة الجماهير» لتقييم السمعة الشخصيّة. ويساهم المقيِّمون بتعبئة استبيان عن المرشح. ولا بد أن يكون المقيِّم على ثقة بسرية التقييم، وبقاء شخصيته مجهولة. ونحتاج إلى حوالي عشرين شخصا من المقيِّمين الذين يعرفون شخصية المرشح من خلال العادات المتعلقة بعناصر الشخصية. عندها سيكون لدينا فهم واضح وضوح الشمس عن شخصية المرشح التي ترتكز عليها طباعه وتصرفاته. ويسمح لنا هذا المسح بأن نحسب علامة المرشح التي تشير إلى درجة شخصيته، لنختار الأعلى درجة منهم كقائد للمنظمة بدون تردد. تستطيع أن تستدل على أصحاب الشخصيات الفاضلة من خلال ثبات وانتظام عادات شخصياتهم. وبإمكانك أن تثق بأنهم يقولون الحقيقة، ويوفون بالوعود، ويعترفون بأخطائهم، ويتغاضون عن أخطاء الآخرين مع اهتمامهم الشديد بالأداء. بينما لا يصْدق القادة الذين يدورون في فلك أنفسهم في %50 من أقوالهم. ولا يمكن الوثوق بوعودهم، ودائما ما يلقون اللوم على الآخرين. وكثيرا ما يعاقبون الناس الذين يرتكبون الأخطاء بحسن نية، ويتَّسِمون بالفظاظة في تعاملهم مع الناس. من الغريب، أنه قد لا يعلم القائد بأنه مرتكز حول نفسه. وأن أداءه تجاه هذه العناصر الأربعة متدنٍ. فقد وُجد أن أسوأ رؤساء المنظمات قد قيَّموا أنفسهم تجاه هذه العناصر أكثر بكثير مما قيَّمهم به موظفوهم. وفي المقابل، فقد وُجد أن أفضل القادة قد قيَّموا أنفسهم بأقل مما قيَّمهم به موظفوهم. إنها مفارقة عجيبة تكشف لنا معدن هؤلاء وأولئك، وهذا يستقيم مع تواضع القادة المتميزين وحبهم للتضحية، وانشغال الآخرين بأنفسهم. قد لا يعرف القادةُ أصحابُ الشخصيات الفاضلة أسماء كل أفراد منظماتهم، ولكنهم يعبرون عن اهتمامهم بهم بطرق أخرى، وذلك من خلال جهود التطوير الوظيفي، وتقديم أجور مجزية، وحل مشاكلهم. إنهم لا يتعاملون مع الناس كأرقام. ولكنهم يحيطونهم بالرعاية والاهتمام، ويعاملونهم بصراحة وصدق. وعلى النقيض من ذلك، فإن القادة أصحاب الشخصيات الأنانية يركزون في المقام الأول على نجاحهم كأشخاص، ولا يرون في العاملين معهم سوى وسيلة لتحقيق غاياتهم. لم يكن لدى أي من أصحاب الشخصيات الفاضلة اهتمام بنجاحه المالي الشخصي أو تطوره الوظيفي. بالطبع، كانوا جميعا ناجحين جدا في كلا الأمرين، ولكن تحقق المكاسب المالية الشخصية والنجاح الوظيفي جاء كنتيجة ولَم يكن هدفا لهم. ونتيجة لاهتمامهم بالآخرين، فقد أشار موظفوهم الى أنهم يعشقون العمل معهم. ويذهبون للعمل من أجلهم. فبيئة العمل التي خلقوها تولد جوا إيجابيا وداعما، وتبعث طاقة خلّاقة تركز على حسن الأداء في العمل. تخيلوا معي، ماذا سيحدث لو طبق هذا المفهوم لدينا، واختير «الأفضل شخصية» في كل مؤسسة عامة أو خاصة؟ عندها لن نحتاج أن نلجأ إلى منهج «التجربة والخطأ»، ولن نحكر القرار في أيدي أناس محدودين قد لا تكون لديهم كل المعلومات المطلوبة، وسنشرك الآخرين أيضا في صنع مستقبلهم بطريقة منهجية وأكثر صوابا. أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية