هنالك قول مأثور يستخدم حين تريد أن ندلل على عدم اكتراثنا عندما يهدد شخص ما بالخروج المفاجئ من مكان ما خلال حوار: «لا تدع الباب يضرب ظهرك وأنت في طريقك للخروج». هذا الوضع يلخص الكيفية التي ينبغي على المملكة المتحدة أن ترد فيها على تهديد بنك «إتش إس بي سي» بنقل مقره إلى بلد مختلف. بنك «إتش إس بي سي» أكبر بنك في أوروبا، يعرب عن استيائه الشديد لأن السلطات البريطانية زادت من فرض الرسوم الضريبية على المؤسسات المالية المقيمة في بريطانيا. بنك ستاندرد تشارترد، بنك آخر يقوم حاليًا بنقل مقره إلى لندن لكن معظم أمواله لا تزال في آسيا، ويفكر أيضًا في تغيير مكان إقامته. لا يوجد أي شيء خاطئ في قيام الشركات بمراجعة شؤونها، بما في ذلك الدولة التي تختارها لتعليق لوحتها النحاسية.. لكن التهديد بالمغادرة أثناء ثورة غضب في كل مرة يكون هنالك تهديد بسبب زيادة تنظيم أو دفع في الضرائب يشير إلى عقلية المراهق الذي يهدد بالهروب بعيدًا عن البيت، إما لأن الموعد الذي فرضه والداه للعودة إلى المنزل ليلًا سابق لأوانه أو لأن الأعمال المنزلية مملة جدًا. وبنك «إتش إس بي سي» بشكل خاص يصبح الآن مملًا بمحاولته انتظام ابتزاز السلطات البريطانية. قد يكون من المنطقي لبنك «إتش إس بي سي» - الذي بدأ حياته قبل قرن ونصف كشركة مصرفية في شنغهايوهونغ كونغ - أن ينقل مقره إلى بلد المنشأ.. كان مقره في لندن بسبب شرائه بنك ميدلاند منذ أكثر من عقدين من الزمن بقليل، لكنه حقق أكثر من 78% من أرباحه لعام 2014 في آسيا، مقارنة بنسبة 3.2% فقط من عملياته التشغيلية في أوروبا، حيث كانت الأرقام لعام 2013 70.3% و8.1%، على التوالي. يبدو أن لدى بنك «إتش إس بي سي» الاعتقاد الخاطئ بأنه يقدم خدمة للمملكة المتحدة بنقل مقره إلى لندن. لقد تم رفع الرسوم ثماني مرات منذ أن تم فرضها في منتصف عام 2010، وهي زيادة ربما تجعلك تقول إنها مفرطة - لكن موقفك سيتغيّر حين تعلم أن وحدة التمويل الأسرية لبنك «إتش إس بي سي» لعبت دورًا رائدًا في كارثة القروض العقارية لضعاف الملاءة في الولاياتالمتحدة التي أدت إلى حدوث الأزمة المالية العالمية، وأن مصارف المملكة المتحدة دفعت مليارات الجنيهات الاسترلينية من الغرامات مقابل المخالفات في كل شيء بدءًا من التلاعب في أسعار فائدة ليبور إلى الغش في بيع التأمين على القروض إلى عملاء البيع بالتجزئة، وترتيب المقايضات المخادعة لعملائها من الشركات، وأن الطريق الأسهل لتقليل دفع الرسوم للحكومة البريطانية هي في تقليص الميزانية العمومية الخاصة بك. لذلك، فإن مبلغ 750 مليون جنيه استرليني (1.1 مليار دولار) الذي دفعه بنك «إتش إس بي سي» لصندوق الرسوم المصرفية العام الماضي يمكن اعتباره كتعويض غير مفرط بشكل خاص لدوره في السلوك المروع للقطاع المالي في السنوات الأخيرة. ويعتبر أيضًا ثمنًا زهيدًا يدفع من أجل التمتع بمزايا ودعم الإطار القانوني والمحاسبي الذي يرافق ممارسة الأعمال التجارية في لندن، مركز أوروبا المالي الرائد. إن الحجة القائلة إن الدافع وراء قرار بنك «إتش إس بي سي» يأتي جزئيًا بسبب خطر أن تنسحب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، الذي أورده داني أليكسندر، الأمين العام لوزارة المالية، وهو من حزب الديموقراطيين الأحرار، تعتبر حجة واهية. ستعقد الانتخابات في المملكة المتحدة بعد أسبوعين، مع تعهّد حزب المحافظين بإجراء استفتاء حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في حال احتفظ بالسلطة، واستطلاعات الرأي لا تظهر أن المحافظين أو حتى حزب العمال المعارض يتمتعون بأي قيادة واضحة. ومن غير المرجح على أية حال أن ينقل بنك «إتش إس بي سي» مقره إلى باريس أو فرانكفورت، وحتى البقاء في مقره في لندن خارج الاتحاد الأوروبي قد يسمح للبنك بإنشاء روابط مالية أعمق مع أوروبا، مما لو كان مقره في سنغافورة أو بكين أو الأكثر احتمالًا في هونغ كونغ. في الواقع، قد ترحّب هونغ كونغ ببنك «إتش إس بي سي» بأذرع مفتوحة. قالت سلطة النقد في هونغ كونغ إنها قد تتخذ «موقفًا إيجابيًا» نحو إعادة تغيير الموقع. لذلك، دعونا نحي بنك «إتش إس بي سي» ونتمنى له الأفضل. ونقول له وداعًا والحمد لله الذي أراحنا منك.