هذه أيام صعبة تماما إذا كنتَ صاحب مصنع في الصين. هناك شح في العمال على نحو متزايد، والأجور ترتفع، والإضرابات تندلع بشكل منتظم. المصانع في جنوب شرق آسيا تتفوق الآن على الصين وتفوز عليها في لعبتها الخاصة، حيث إنها تجتذب المستثمرين مع وعد بعمالة حتى أرخص من الصين لتنفيذ أعمال التجميع ذات القيمة المنخفضة. ما الذي ينبغي على صاحب المصنع فعله؟ أحد الخيارات المنتشرة على نحو متزايد هو شراء الروبوتات، والكثير منها. ولكن هذا الحل يثير من قبل مسألة غير مريحة أخرى: ما الذي ينبغي القيام به بخصوص العمال الذين ستأخذ تلك الروبوتات أعمالهم وتبقيهم بلا عمل؟ وفقا للاتحاد الدولي للروبوتات، وهي جمعية لمنظمات الأعمال والجامعات في مجال الروبوتات، اشترت الصين ما يقرب من 56 ألف روبوت من أصل 227 ألف روبوت صناعي تم شراؤها في جميع أنحاء العالم في عام 2014 - بزيادة مقدارها 54 في المائة عن عام 2013. وهناك احتمال كبير بأن هذا يُعَد بداية حملة شراء واسعة من قبل الصين. في أواخر الشهر الماضي، أعلنت حكومة مقاطعة جوانجدونج، التي تعتبر منطقة الصناعات العملاقة في قلب الصين، عن برنامج مدته ثلاث سنوات لدعم شراء الروبوتات في ما يقرب من ألفي شركة من شركات التصنيع في المقاطعة - والتي تعتبر من أكبر الشركات المصنعة في العالم. قوانجتشو، عاصمة المقاطعة، تهدف إلى أتمتة 80% من مصانعها بحلول عام 2020. لا ينبغي لتدخل الحكومة في هذه العملية أن يأتي بمثابة مفاجأة. لقد أرادت الحكومة الصينية (على مستوى الصين، وكذلك على مستوى مقاطعة جوانجدونج) منذ فترة طويلة نقل الصناعات التحويلية في البلاد بعيدا عن المنتجات ذات الجودة المنخفضة التي يتم تجميعها يدويا نحو الصناعات ذات القيمة الأعلى - مثل: السيارات، والأجهزة المنزلية، والأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية ذات الجودة العالية بغض النظر عن سعرها - التي تتطلب الدقة في الأتمتة. وليس سرا أن التركيبة السكانية ليست إلى جانب المصانع التقليدية التي تحركها العمالة في الصين. عملية توسيع المدن ونقل السكان من طريقة الحياة الريفية، وسياسات التحكم في عدد السكان، والتحولات الثقافية، كل ذلك يدفع متوسط معدل المواليد في الصين إلى ما هو أقل من المعدلات الموجودة في البلدان الأكثر تقدما مثل الولاياتالمتحدة. وفي الوقت نفسه، نتيجة لتزايد الثراء في المناطق الحضرية، فإن معدلات مشاركة القوى العاملة تعتبر في تراجع، خصوصا بين النساء. وهذه العوامل معا، تدفع الأجور نحو الأعلى، حيث إن متوسط الزيادات السنوية منذ عام 2001 بلغ 12%. وهذا الاتجاه يقدم الكثير من الحوافز لأصحاب المصانع والمسؤولين الحكوميين لمتابعة الأتمتة، من أجل أن يتجنبوا هذا الارتفاع الكبير في الأجور. وبطبيعة الحال، ما يبدو معقولا من وجهة نظر مكتب التخطيط الاقتصادي يعتبر أكثر إيلاما حين يتم تطبيقه على أرضية المصنع. في شهر مارس ذكرت كايكزن، وهي مجلة الأعمال الصينية، أن Midea ميديا، وهي شركة صينية رئيسية لمكيفات الهواء والأجهزة المنزلية الأخرى، تعتزم تخفيض عدد عمالها بمقدار 6 آلاف عامل من أصل 30 ألف عامل في عام 2015؛ لافساح الطريق للأتمتة. بحلول عام 2018، سيتم تسريح 4 آلاف عامل آخر. ماذا سيحدث لهؤلاء العمال وغيرهم من ملايين العاملين من ذوي المهارات المنخفضة الذين سيتم تسريحهم بسبب التحول؟ الإجابات المقدمة حتى الآن من قبل الشركات والمسؤولين الحكوميين لم تكن مطمئنة جدا. فعندما أعلنت شركة Foxconn فوكسكون، الشركة المصنعة للعديد من منتجات شركة أبل، في عام 2011 أنها كانت قد بدأت في برنامج مدته ثلاث سنوات لإحلال روبوتات يمكن أن يصل عددها إلى مليون روبوت؛ لكي تأخذ مكان بعض العاملين لديها، قالت إنها كانت تفعل ذلك انطلاقا من «رغبتها في نقل العمال من مزيد من المهام الروتينية إلى المزيد من المناصب ذات القيمة المضافة في التصنيع مثل دائرة الأبحاث والتطوير». ولكن حتى لو كانت تلك النوايا الصادقة، لا تقدم فوكسكون أي إشارة إلى أنه سيكون لديها ما يكفي من المناصب التي تتطلب مهارات أعلى، من أجل توظيف كل عامل تجميع لآيفون سيفقد وظيفته في التجميع نتيجة لقدوم الروبوتات. وفي الوقت نفسه، يجادل المسؤولون في مقاطعة جوانجدونج ومؤيدوهم في وسائل الإعلام الصينية حول أن صناعة الروبوتات التي تدعمها الحكومة ستوفر الكثير من فرص العمل في تصنيع الروبوت. ولكن حتى إذا كان يمكن ضخ العمال الذين يُخرَجون من أعمال التجميع من ذوي المهارات المتدنية، وتحويلهم إلى تلك الوظائف بأسرع مما تقترحه الحكومة الصينية، ليس هناك ضمان بأن فرص العمل الناتجة ستدفع أجورا جيدة كتلك التي تم تهجيرهم منها. في الواقع، مع هذا العدد الكبير من العمال المشردين الذين يسعون لملء هذه الشواغر، قد تدفع الشركات حتى أجرا أقل من ذلك، وفقا لدراسة حديثة حول تأثير الأتمتة على أسواق العمل. والحكومة المركزية الصينية، التي تحرص دائما على تجنب سخط الطبقة العاملة لديها، تبذل منذ فترة مساعي من تلقاء نفسها. فقد سبق أن التزمت بتوسيع نطاق التعليم المهني بحيث إنه لن يُترَك العمال من ذوي المهارات المنخفضة في الصين مهملين حين يتحول الاقتصاد إلى الطابع الآلي بصورة أوسع من قبل. كذلك تواصل بكين تشجيع المراحل الأولى من التنمية الاقتصادية في المحافظات الغربية في الصين، بما في ذلك نقل التصنيع ذي القيمة المنخفضة إلى تلك المناطق. ومع ذلك، فإنه من السهل أن نرى كيف سيكون شعور الملايين من العمال قليلي المهارة في الصين الذين يسيطر عليهم إحساس بعدم الارتياح من التقادم الوشيك الذي سيحل عليهم - وهو شعور يعلمه ويحس به نظراؤهم من الطبقة العاملة في الاقتصادات الأكثر تقدما. وأفضل أمل لهم هو حقيقة بسيطة، وهي أن الاقتصاد الصيني لا يزال يتوسع ويحقق معدلات نمو لا يستهان بها. صحيح أنه عند النسبة المتوقعة البالغة 7% لعام 2015، فإن البلاد لا تنمو بالسرعة التي كانت عليها قبل عقد من الزمن. ولكن من المفترض أن المعدل الحالي من النمو سيكون سريعا بما فيه الكفاية بالنسبة للقوة العاملة المتقلصة في الصين على نحو يمَكِّنها من العثور على فرص أخرى، وتجنب المنافسة - على الأقل في الوقت الراهن - مع القوى العاملة الحتمية للروبوتات في الصين.