سنوات عجاف مرت على عالمنا العربي اجتاحته خلالها شتى الخلافات والفرقة والتناحر والتمزق، مما ولد حالات غير طبيعية، نجح العدو في زرعها في الأرض العربية بهدف تمزيق الوحدة الوطنية في كل بلد عربي، ليزداد الضعف في الجسد العربي الذي أنهكته جراح تلك الخلافات، وهو أمر كان الأعداء يعزفون عليه أنغام فرحهم وابتهاجهم، بما آلت إليه الأمة من هوان، وما اجتاح جسدها من ضعف، وما اكتسبته من سمعة غير لائقة بتاريخها المجيد، وإنجازاتها الحضارية الرائدة، في عصور مضت كان العربي فيها أكثر قربا إلى ربه، وأكثر إخلاصا لدينه، وأكثر وفاء لوطنه، لكن دوام الحال من المحال، فالليل الدامس يعقبه فجر ساطع، وقد وعد الله عباده بالنصر، فما بعد الشدة إلا الفرج، وأصبح الفرج كبيرا بحجم الآمال العريضة التي تعتمل في صدور العرب والمسلمين، عندما تفاجأ العالم بانطلاق عاصفة الحزم من قلب الوطن العربي، وبإرادة الله، ثم إرادة زعيم هذا الوطن الغالي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، لتعلن للعالم أن هذا الوطن كان ولا يزال هو موطن العرب وقبلة المسلمين، ومحور اقتصاد العالم، وصاحب القرار السياسي الحر المعتمد على الله أولا وأخيرا، وقد آن الأوان ليفهم من لا يفهم أن عالمنا العربي لن يقف مكتوف الأيدي حيال المؤامرات التي تحاول النيل من استقلال دوله، وأمنها الوطني، من قبل المتآمرين والخارجين على القانون، والمرتهنين بإرادة الأجنبي. لقد عانى العالم العربي من الإرهاب والتطرف والغلو، ودفع الثمن غاليا من أمنه ومنجزاته ومكاسبه، وتعرضت حدوده للعدوان، وسلطاته الشرعية للتعدي على شرعيتها من قبل فئات إرهابية، تحلم بتحقيق أهدافها المشبوهة دون أن تقرأ التاريخ جيدا، ودون أن تدرك حجم المؤامرة التي لن تعود عليها إلا بالعار والخزي وسوء المنقلب، وهذا هو حال الحوثيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان، ورهنوا ذممهم وضمائرهم لعدو بغيض، هدفه السيطرة، وإعادة أمجاد وهمية لأمة غابرة، قضى عليها الإسلام، رغم ضخامة إمبراطوريتها القائمة على الظلم والعدوان واستعباد الأمم الأخرى، ومنذ ذلك التاريخ البعيد، والفرس يحلمون بعودة تلك الإمبراطورية البائدة، وقد وجدوا في بعض الفئات الضالة ما يتوهمون أنه سيحقق أحلامهم الخرافية، ولا يهمهم في سبيل ذلك لا مذهب ولا دين ولا قومية، فاضطهدوا كل من هو غير فارسي، وما المذهب الشيعي بالنسبة لهم سوى ستار، تختفي خلفه أحقادهم ونواياهم الخبيثة، لأن الاضطهاد الفارسي شمل السنة والشيعة وكل المذاهب والجنسيات الأخرى داخل إيران، وقد استغلوا جهل بعض الفئات لتمرير مخططاتهم العدوانية التي لم تعد تخفى على أحد، فالحوثيون ليسوا سوى أداة يسهل التخلص منها بعد أداء المهمات الموكلة إليها، وهو الأمر الذي لا يخجل الفرس عن التصريح به في كل المناسبات، وليست اليمن سوى طريق له ما بعده لا قدر الله. لقد أثلج الصدر وأخرس الأعداء هذا الوعي العربي الذي تفجر مع انطلاق عاصفة الحزم، حيث لم تلبث الدول العربية أن التفت حول عاصفة الحزم في تحالف فريد، وانطلقت منها الطائرات والبارجات الحربية، كما استعدت بعض الدول لإرسال قواتها البرية عند الحاجة، واتسعت دائرة هذا التحالف لتشمل دولا إسلامية كبرى، كما اتسعت دائرة التأييد والمؤازرة لتشمل دول العالم المحبة للسلام، والتي نبذت الإرهاب والإرهابيين، لإدراكها خطورة منزلق الإرهاب الذي يراد للعالم أن يسقط فيه، على أيدي فئات تنتسب للإسلام دون أن تعي رسالته الحقيقية وهي السلام للعالم، والأمن لبلدانه، والكرامة للإنسان، مهما اختلف دينه أو مذهبه أو جنسه. لقد عاد الوعي العربي، بما يشكله من حلم كبير لتحقيق عزة الأمة وكرامتها، وقدرتها على اتخاذ قراراتها المصيرية، دون الحاجة لمن يقوم بدورها في أي شأن من شئونها مهما كان كبيرا وخطيرا ومؤثرا ليس عليها فقط، بل وعلى العالم أجمع.