أهم المراكز البحرية في الخليج العربي وكان لها دور بارز في تاريخ البحرية الإسلامية والملاحة، ومنها: البحرينوالبصرة وسيراف وعمان والأبلة، وسوف نفرد عمان والأبلة بمقالين منفصلين. 1- البحرين: الموقع الجغرافي والمدن البحرين إقليم ممتد من جنوبيالبصرة إلى عمان، وهي متصلة غرباً باليمامة وجنوباًبعمان وشمالاً بالبصرة وشرقاً بمياه الخليج العربي، والبحرين جزء لا يتجزأ من الجزيرة العربية. ويحدد ياقوت الأماكن التي يشتمل عليها إقليم البحرين، وهي: «الخط والقطيف والآرة وهجر وبينونة والزارة وجواثا والسابور ودارين والغابة، وقصبة هجر الصفا والمشقَّرة». ويطلق اسم هجر أحياناً على البحرين من باب إطلاق الجزء على الكل، علماً بأن إقليم البحرين يشتمل على عدة جزر، ومنها جزيرة أورال وشفار وثاروت وحوارين وقطر. وقد دفع الموقع الجغرافي سكان البحرين ومعظمهم من قبيلة عبد القيس بن قصي إلى ركوب البحر منذ عهد مبكر، فكان بعض أهالي البحرين يمتلكون السفن كما يتجلَّي ذلك من البيت الذي قاله طرفة بن العبد في معلقته، وهو من أهل البحرين: عدولية أو من سفين بن يامن يجور بها الملاح طوراً ويهتدي فالعدولية منسوبة إلى ميناء عدولي في الصومال، أما ابن يامن، فهو يهودي من أهل هجر (إحدى جزر البحرين)، كان يمتلك عدداً من السفن التي تبحر في الخليج العربي وتصل إلى سواحل شرق إفريقيا. البحرين والملاحة البحرية ويبدو أن سكان البحرين كانوا يمارسون الملاحة البحرية مع الشرق الأقصى، وكذلك شرق إفريقيا منذ ما قبل الإسلام، ويبدو أن ازدهار البحرين واكتسابها أهمية في أواخر العصر الساساني يرجع إلى عدة عوامل، منها: قربها من شمال فارس، واحتكاك سكان البحرين بالساسانيين، ثم الخبرة الممتازة التي يتمتع بها سكان البحرين في صناعة السفن ومهارتهم الملاحية وشجاعتهم أمام العواصف. وبعد استقرار الإسلام في البحرين في العصر الراشدي، أخذ العرب المسلمون يهاجمون المدن الفارسية دفاعاً عن بلدانهم بحراً من البحرين، وكانت أولى الغارات بقيادة عثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين سنة (22ه/ 643م). ويظهر من المعلومات المتوافرة في المصادر العربية أن البحرين كانت عند ظهور الإسلام المركز الرئيس للتجارة والملاحة في الخليج العربي، فكان فيها عدة موانئ ترسو فيها السفن التي تتاجر مع الهند، حيث كان التجار يسيرون سفنهم بمحاذاة سواحلها أو يفرغون السلع فيها ثم ينقلونها بالطريق البري. دارين مركز النشاط الملاحي ولا بد من أن نشير إلى أنشط مناطق البحرين في الملاحة، وهي الدارين التي اكتسبت أهمية خاصة من بين مناطق البحرين؛ فكان لها دور واضح في التجارة البحرية مع الهند، وكانت دارين في أوائل العصر الإسلامي من المراكز العربية المهمة للتجارة، وخاصة تجارة المسك حتى سمي بائع المسك والطيب ب«الداري» نسبة إليها. وكانت دارين تستورد المسك من الهند وتتاجر به في جزيرة العرب، فكان للمسك الداري شهرة في كافة أنحاء الجزيرة، ولكن يبدو أن دارين أخذت تضعف تدريجياً بعد إنشاء البصرة التي صارت المركز الرئيس لتجارة الهند، فحرمت دارين من أهميتها. وعلى العموم، فقد أخذت أهمية البحرين التجارية تضعف بعد استقرار الدولة العربية الإسلامية وحلت محلها البصرةوعمان، حيث كانتا تتمتعان بموقع جغرافي أكثر ملاءمة للملاحة البحرية. 2- البصرة أنشئت البصرة في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 16ه/ 637م، وقد هيأها موقعها القريب من شط العرب أن تؤدي دوراً في التجارة البحرية بين العراق من جهة وجنوب شرق آسيا وإيران، فكانت ترد إليها تجارات الهند والصين وفارس وعمان واليمامة والبحرين لتوصلها إلى عاصمة الدولة بغداد عن طريق السفن النهرية. فيروى أن الخليفة المنصور، قال: «كل ما يأتي في دجلة من واسط والبصرة والأبلة والأهواز..، فإليها ترقى وبها ترسى»، فلا ريب إذن أن يكون تاجر البصرة أعظم الناس تجارة، وتكون البصرة فرضة البحر ومطرح البحر. ويذكر المقدسي أنه قد شق إليها من دجلة نهرين: نهر معقل في الشمال الشرقي فتأتيه السفن النازلة من بغداد، ونهر الأبلة وتسير فيه السفن من البصرة نحو الجنوب الشرقي إلى الخليج، وقد أثر ذلك، فضلاً عن إنشاء مدينة البصرة التي حدها الاصطخري بالبادية غرباً ومياه الأنهار شرقاً ونهر المعقل شمالاً ونهر الأبلة جنوباً، أثر في ميناء الأبلة الذي تضاءلت أهميته واستبدلت تدريجياً بالبصرة. فأصبحت الإبلة ميناء للتجار البصريين ورصيفاً للسفن المتوسطة، في حين تضخمت وظيفة البصرة التجارية مع العالم الخارجي، وبالذات مع بلدان المشرق كالهند وسرنديب وإندونيسيا والصين. 3- سيراف تقع سيراف على الساحل الشرقي للخليج العربي، وتمت شهرتها البحرية منذ القرن السادس الميلادي، وبلغت عصرها الذهبي في القرنين الثالث والرابع الهجريين/ التاسع والعاشر الميلاديين. فبعد أن تحولت التجارة العالمية من البحر الأحمر إلى الخليج العربي والعراق، أصبحت سيراف من أهم مدن الشرق التجارية، ومما زاد في أهمية سيراف الملاحية أن ميناءها كان صالحاً لرسو السفن الكبيرة، ومنها تحول البضائع إلى البصرة والأبلة وغيرها من المراكز، فضلاً عن كون سيراف ممراً بطريق الملاحة البحرية الخارجة من البصرة صوب الهند والصين. ويقول البلخي: «كانت سيراف قبل ذلك مدينة كبيرة مزدحمة بالمتاجر». وقد اشتهر أهل سيراف بحبهم للعمل في البحر، لدرجة يصفها الإصطخري بأن الرجل ربما يقضي جل عمره في البحر لا يخرج من سفينته إلا للضرورة القصوى». وقد عملت سيراف -بحكم موضعها على ساحل إيرانجنوب شيراز- على السيطرة والتحكم بتجارة أقاليم إيران البحرية، واشتغل أهل سيراف بالتجارة وبلغوا من الثراء حد العجب حتى بلغت ثورة أحد تجارها أربعة ملايين دينار اكتسبها من تجارة البحر. إلا أن سيراف لم تستمر في ازدهارها، إذ أصابها الدمار على أثر زلزال مروع تعرضت له المدينة سنة 366ه/ 976م، فهجرها أهلها وأصاب المدينة الركود نتيجة ذلك.