الملاحة البحرية قديمة جداً في بحر الهند بعامة، والخليج العربي وبحر عمان بخاصة، بدأت شاطئية، ثم أصبحت فلكية تهتدي بالنجوم في وقت مبكر. وثبتت مهارة العرب في هذا المجال، بما اكتشف من آثار موغلة في القدم، ومن وثائق مكتوبة باللغات السنسكريتية والبهلوية واليونانية والصينية وباللغة العربية كذلك. ووصل الملاحون العرب إلى الصينوالهند في عصر ما قبل الإسلام واستمر تفوقهم في العصور الإسلامية، وكان الحرير السلعة الصينية الرئيسية في تجارة الصين مع العالم الغربي، كما كانت التوابل والعنبر السلع الرئيسية في تجارة الهندوجنوب شرقي آسيا، فكان الحرير والتوابل تنقل من الصين إلى المشرق الإسلامي مروراً بالخليج العربي ومن هناك إلى الغرب الأوروبي. ويؤكد جلال السعيد الحفناوي مترجم كتاب «الملاحة عند العرب» للكاتب الهندي سيد سليمان الندوي (1884-1953) أن عرب الخليج هم الذين سعوا إلى الشرق الأقصى وليس العكس، وأن عبارة «سفن صينية» التي كان يستخدمها جغرافيو العرب ومؤرخوهم كانت تعني - أحياناً - سفناً خليجية إسلامية مخصصة للإبحار إلى الصين، وأن المياه العربية لم تعرف قبل الإسلام سفناً غير عربية وغير فارسية سوى سفن القراصنة الهنود. وهذا الطريق البحري إلى الهندوالصين، الذي كان يسلكه التجار العرب والسيرافيون ذهاباً وإياباً، عند نقلهم الحرير والتوابل وسائر السلع من الشرق الأقصى، كان همزة الوصل بين عالمين مختلفين، عالم الشرق وعالم الغرب. وتحكمت الملاحة الخليجية العربية في تجارة التوابل والبهارات الهندية المتجهة إلى أوروبا. ويضيف الحفناوي: كانت للعرب صلات وعلاقات تجارية مع الهند قبل الإسلام، وكانت سفن تجار العرب في الجاهلية تصل إلى بحر السند وشواطئ مالبار وتعود محملة بالأقمشة والحرير والتوابل والسيوف الهندية التي طالما تغنوا بها في أشعارهم وأولعوا بها حتى سموا السيف المطبوع من حديد الهند، بالمهند، وقالوا: سيف مهند وهندي وهنداوني إذا صنع في بلاد الهند، وسموا كثيراً من نسائهم هنداً وبعد الإسلام بدأ المسلمون يتوافدون على سواحل الهند في عهد الخلفاء الراشدين. ولم تكن العناية بالبحر قاصرة على الحكام وحدهم لكي تستخدم السفن في أغراض حربية أو دفاعية عن السواحل الطويلة التي تحد الإمبراطورية الإسلامية، فقد عُني التجار أيضاً بالسفن واستعانوا بالنواخذة والبانانية ممن عرفوا مسالك البحر وخبروا أنواءه وأجواءه وقد عرف العرب الأيام التي تهب فيها الرياح الموسمية وحددوا الأوقات الملائمة لسير السفن في المحيط الهندي. ويكمل الحفناوي: كان للتجار المسلمين من الشأن في بلاد الصين ما أتاح لهم أن يظفروا من ملك الصين بحق إحالة خلافاتهم القانونية على قاض منهم، لقد رفع التجار راية العرب في المحيط الهندي وعلى موانئ الهندوالصين وكان الطريق البحري من الصينوالهند عبر الخليج العربي إلى غرب آسيا يعتبر من أقدم الطرق التجارية بين الشرق والغرب، وصار منذ وقت مبكر طريقاً رئيسياً يعتبر من أقدم الطرق التجارية بين الشرق والغرب، وطريقاً رئيسياً لتجارة الحرير، وبوصول المتاجر إلى رأس الخليج العربي مروراً بمحطات عدة أهمها هرمز وسيراف والأبلة، تنقل شمالاً في دجلة إلى المدائن - قبل الفتوح الإسلامية - أو إلى بغداد عقب تأسيسها. ثم يتفرع الطريق إلى فرعين، أحدهما يتجه شمالاً إلى ديار بكر، ومنها إلى حلب وآسيا الصغرى، والآخر يتجه غرباً إلى دمشق، ومنها تخرج فروع إلى أنطاكية وغيرها من موانئ الشام أو إلى شرق الأناضول أو جنوباً إلى مصر. ويختتم جلال السعيد الحفناوي قائلاً: شهد القرنان الخامس والسادس للميلاد تطورات في الشرق الأقصى أدت إلى انتعاش تجارة الحرير عبر هذا الطريق. ذلك أن الصين انقسمت سياسياً إلى دولتين، إحداهما قامت في شمال البلاد والأخرى قامت في جنوبها وحرص حكام الجزء الجنوبي على تشجيع التجارة والترحيب بالتجار، ما دفع كثيرين من التجار الأجانب إلى التردد على موانئ جنوبالصين. وبسط حكام جنوبالصين نفوذهم على البلاد الواقعة في بحر الصين، ما قوى الروابط التجارية بين جنوبالصين من جهة وحكام جاوة والملايو وسومطرة وغيرها من بلاد جنوب شرقي آسيا من جهة أخرى. وقد دأب هؤلاء الحكام إظهاراً لطاعتهم لحكام الصين على إرسال الهدايا إليهم من العطور وغيرها، في حين لجأ الآخرون إلى الإنعام عليهم بأثواب الحرير. وكان للموقع الجغرافي المهم الذي تتمتع به عمان في مدخل الخليج العربي أعظم الأثر في ما أصابه العمانيون منذ أقدم العصور من شهرة بحرية؛ ذلك أن هذا الموقع ما بين مخرج الخليج العربي ومدخل بحر الهند الأعظم على الطريق التجاري البحري الرئيسي المؤدي إلى شرق أفريقيا غرباً وإلى الهندوالصين شرقاً، وتعذر الاتصال براً بينهما وبين المناطق المجاورة لها كالبحرين وحضرموت وساعد أهل عمان على التطلع إلى البحر واصطناع سياسية بحرية سواء رضوا أم كرهوا، فالطريق البري ما بين عمان والبحرين طريق شاق يصعب سلوكه لتمانع العرب وتنازعهم في ما بينهم. تناول سيد سليمان الندوي مؤلف كتاب «الملاحة عند العرب» كل الجوانب التاريخية والفنية والأدبية والدينية منذ العصر الجاهلي حتى العصر الحديث مروراً بعصر النبوة والخلافة الراشدة والدولة الأموية ثم العباسية فالدولة الإسلامية في الأندلس وكذلك ما ورد في القرآن عن السفن والبحر والملاحة علاوة على الشعر العربي.