لنعلم أولاً أن نسور السياسة الأمريكية لا يعبرون غالباً عن صراحة أهدافهم، فقد تسمع خطاباً مطولاً يتحدث عن عموميات دون أن يضع النقاط على الحروف، وربما في اللغة الانجليزية متسع لغوي للمناورات اللفظية التي تطول وتطول عقوداً زمنية دون أن تحقق معها منجزاً سياسياً يعالج أزمة أو يحل مشكلة هنا أو هناك، ولنا في قضيتنا الكبرى "فلسطين" وتاريخها خير مثال؛ لذلك فلعبة الكراسي مستمرة.فهناك قراءة لنهج السياسة الأمريكية في المنطقة تُلمح إلى تبديل في المراكز، وهو ما يؤكد أن العلاقة مع البيت الأبيض لا ترتكن على المصالح الفورية فقط، فهناك مسلمات تاريخية وتوافق ايديولوجي مؤثر في بناء جسور التعاون والثقة؛ فبعد 11 من سبتمبر رُسمت خرائط جمة وعدلت مواقف وظهرت معالم غيرت ولا تزال تغير، مستندة إلى ظواهر يُصنع غالبها لتمرير المخططات التي تُرسم بدم بارد، فتجعل الهدف شريكاً في التنفيذ لملامح قادمة، ومنها الشرق الأوسط الجديد، وعبارات الفوضى الخلاقة والربيع العربي. ومنها أيضاً مفاوضات النووي الإيراني، ومنها النفط الصخري، وغيرها وغيرها من العبارات والملامح التي تطلقها السياسة الأمريكية، فتلك القراءة التي تبرهن في حقيقتها على مشاهد المنطقة ونمو الدور الإيراني في اليمن والعراق وسوريا، وتعالي صوت التصريحات الإيرانية والاستحواذ على المناطق والدول وشحن العاطفة وحفزها على النمو والتطاول وصناعة المبررات، كما في تصريحات حسن روحاني، الذي أعلن أن بغداد الآن عاصمة لامبراطورية بلاده، وحضور العسكر الإيراني في ميادين القتال في العراق وسوريا، كلها دلائل تشير إلى استناد النفوذ الإيراني على قوة إستراتيجية فاعلة ومؤثرة ويمتد أمامها بساط أحمر، وليس في مخيلة العامة هنا سوى الإدارة الأمريكية، فهي من يصنع الفكرة ونقيضها في ذات المطبخ وبنفس الأدوات، فقد باعتنا الولاياتالمتحدة، الحليف التاريخي المفترض، إلى من يحقق أهداف البيت الأبيض المسخرة لعميلها الأول في المنطقة. ولكن الغريب أن حسابات البيت الأبيض بعمقها واتساعها التاريخي والتقني تسقط أمام ابسط فهم للواقع، فهي تتجاهل إرادة الشعوب وتقلب أوراق اللعبة كما هي على الطاولة، دون اعتبار للمكونات المحلية وثقلها وردود أفعالها المفترضة تجاه هذا التوجه الأرعن الذي اتخذ من محاربة الإرهاب ثكنة للرمي في كل اتجاه، متناسين كيفية صناعة هذا الابتلاء وأساس أهدافه، فهل الإدارة الأمريكية لا تحسن صياغة الختام لمسرحياتها التي تنتهي بموت البطل وكل شخوص الحدث، وربما بحريق المسرح أيضاً بكل جمهوره في صناعة لا تبتعد عن ملامح هوليود الخيالية؟ فأمريكا وفق خطابها وسنابل القمح في شعارها القديم، يفترض أن تصنع السلام، لا أن تولد الحنق بين الشعوب، فما تصنعه الآن يزيد في توليد فكر التطرف ويحرج الحكومات المحلية التي تحارب الإرهاب مع شعوبها التي ترى بأم أعينها كيف تكيل الولاياتالمتحدة بمكيالين. * كاتب وإعلامي سعودي