المسافة بين رام اللهوالقدس نصف ساعة قبل الاحتلال والحواجز، وخمس ساعات ان كان على الحواجز جنود لا يرتدون القلنسوة، وبين القدس ونابلس ساعة قبل الاحتلال، وثمان بعده، اما بين رام اللهوغزة فحدث ولا.. تخرج. كل الطرق مغلقة، فالسلام لم يأت ليفتحها، والمصالحة بين فتح وحماس لم تتحقق لتحميها والطرق كل الطرق بينهما مغلقة. وهكذا ابتعد الفلسطيني عن مدنه من دون ان تبتعد المدن عن بعضها ودون ان يحدث زلزال ارضي، انه "فقط" زلزال الاحتلال. احتلال الارض واقتلاع الزيتون وسرقة الزعتر لتصنع منه اسرائيل ادوية للمعدة الموجوعة فيما معدات اصحاب الارض تتضور جوعاً وحرية. كان ثمة امل في ان تخف قبضة الجندي الاسرائيلي حول عنق الفلسطيني، تخف لا تختفي، لو لم يفز نتنياهو بولاية ثانية متتالية الثلاثاء الماضي. اما وقد فاز، فعلى ابن القدس او رام الله او الخليل الذي يود ان يزور اخاه في طولكرم او جنين او اريحا- ان يملأ روحه بالصبر ويديه بالحرية ونفسه بالتحدي ليستطيع تحمل مشقة ان يكون غريباً في وطنه، محاصراً بالقيود وبالكراهية، عربياً بين يهود صهاينة، مسلماً حَوْله قَتَلة رسل وانبياء. تصويت الاسرائيليين لنتنياهو وحزبه الليكود يعني ان المشروع الصهيوني يتقدم خطوات باتجاه "اسرائيل من النيل الى الفرات" فلا سلام حقيقياً، لا دولة فلسطينية كما اعلن نتنياهو عشية الانتخابات، ولا استقرار في المنطقة. ومن ناحية جذرية فان التوجه اكثر نحو اليمين الاسرائيلي انما يعبر عن جوهر الطبيعة اليهودية المسكونة بالخوف الازلي من كل ما هو غير يهودي، وعن عقلية القلعة المحمية بأسوار من الحجارة قديماً –ممالك اسرائيل القديمة في نابلس واريحا والقدس مثالاً- وبالاسمنت المسلح حديثاً، جدار الفصل العنصري الحالي الذي اقامته اسرائيل لفصل الضفة عن القدس وفلسطين 1984 مثال حي على عقلية الاختباء وراء الجدران، وامتلاك الاسلحة النووية كتعبير عن حماية الخوف من خطر الاختفاء الوجودي للدولة الصهيونية. وهذا ما يؤمن به نتنياهو ويعمل من اجله. فهو كما كتب ناحوم بريناع في "هأرتس" :" في الموضوع الفلسطيني، التنازلات التي قدمها نتنياهو في مسائل جوهرية كالحدود، اللاجئين، المستوطنات، تدل ظاهراً على رغبة شديدة، بعيدة الأثر، للتوصل إلى اتفاق ينهي الصراع، ولكنه في نفس الوقت اتخذ خطوات على الأرض، شهدت نتائج وممارسات عكسية، ويخيل للمرء أنه يهتم بأن يحظى بالاعتراف والقبول، تحت غطاء أنه يسعى نحو السلام، ولكنه وجد وعمل على أن السلام لا يتحقق إلا بشرط واحد قام بتأديته وهو ألا يحقق السلام أبداً ". التطرف الاسرائيلي يجعل من اسرائيل مخزن اسلحة ستنفجر بين يديها وتدمرها حين يبلغ المشروع الصهيوني مداه. فهو قائم على اساطير توراتية وفهم خاطئ لمفهوم "شعب الله المختار". ولا يوجد دليل واحد يدل على أنهم شعب الله المختار فهذه عبارة كانت في العهد القديم أيام الوثني. أيام أن كان اليهود هم المؤمنين بالله وسط عالم وثني. نتنياهو يصعد الشجرة على عكازين: مواجهة الخطر النووي الايراني ويهودية الدولة. العكاز الاول منخور حتى لحاء الخشب المصنوع منه اذ إن ثمة تفاهماً واضحاً بين المشروع الصهيوني والمشروع الفارسي في المنطقة. وتسليم العراق بعد الاحتلال وحالياً اليمن لأتباع ايران دليل على ذلك. وبالنسبة ليهودية الدولة فهي ليست أطروحة جديدة في الفكر الصهيوني، فقد رافقته منذ مؤتمر بال 1897، بيد أنها ظلت تستخدم كأداة لتشجيع الهجرة وبناء الكيان وتأسيس "هوية جمعية"، أما اليوم، فإن يهودية الدولة في السياق الإسرائيلي الراهن الذي تميز بصعود الأصولية اليهودية وتنامي دور الإيديولوجيا القومية المتطرفة، تتحول إلى مدخل لتعميق العنصرية، وتضع إسرائيل لأول مرة، أمام تحدٍ وجودي، قد يكون الأخطر في تاريخها. وأما الثوب الديمقراطي الذي ترتديه اسرائيل ويعجب الغرب فانه يحجب داخله حاخاماً بقلنسوة يسعى لهدم الاقصى وبناء الهيكل المزعوم. إلى أين العرب ذاهبون؟ أو للدقة منحدرون؟ في غياب المشروع العربي وطحن المنطقة بين رحى المشروعين الفارسي والصهيوني ليس ثمة طريق للنجاة الا بيقظة عربية شاملة تبدأ بهدم الكيان الاسرائيلي من الداخل. فقد أتى- مؤشراً صحياً- فوزُ العرب الفلسطينيين في الانتخابات الاسرائيلية الذين توحدوا في كتلة مشتركة ليشكلوا لاول مرة ثالث كتلة في الكنيست. كما انه سبق للفلسطينيين رغم إمكاناتهم المتواضعة، أن أرغموا عدوهم الإسرائيلي على التراجع مرتين، رغم إمكاناته المتفوقة بشرياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً واستخبارياً، وتم ذلك على أرضية صمود الفلسطينيين وروحهم المقاومة، التراجع الأول تم بفعل الانتفاضة الشعبية المدنية الأولى عام 1987، وجاءت ثمرتها عام 1993، على يد إسحق رابين، في التوصل إلى اتفاق أوسلو، والتراجع الثاني تم بفعل الانتفاضة الثانية شبه المسلحة عام 2000، حيث نالوا ثمرتها عام 2005 على يد أرئيل شارون، بالانحسار عن قطاع غزة. ثمة طرق الى النجاة لكنها جميعها غير ممهدة بسبب شوك الشك وغياب الرؤية الواحدة في عين العرب!.