هل كانت جوان كاثلين رولنج -تلك الشابة البريطانية التي تصارع ظروف الحياة- تتوقع عندما خطت أسطر أول رواية في سلسلة هاري بوتر -على منديل المقهى الذي كانت ترتاده برفقة رضيعتها- أن تجني ثروة من كتاباتها تفوق ثروة ملكة بريطانيا؟ وهل مر بخاطرها أن تصبح أعمالها الأكثر مبيعا بواقع 450 مليون نسخة عام 2011، وأن تترجم رواياتها إلى مائة لغة؟ هذا ما يدفع إلى التساؤل عن تلك التركيبة الروائية العجيبة التي أحدثت -بلا مبالغة- ثورة في الكتابة للطفل. ما السر الذي دفع بشريحة القراء الصغار إلى ترك أجهزة الألعاب الإلكترونية ليقبلوا على روايات تتراوح عدد صفحاتها بين 300 و600؟ وما الدافع لاصطفافهم في طوابير طويلة منذ ساعات النهار الأولى للفوز بشراء الإصدار الجديد من السلسلة فور نزوله للمكتبات لتصل مبيعات الجزء الأخير إلى 15 مليون نسخة في أول يوم؟ إن سباعية هاري بوتر تعد بحق ظاهرة فريدة في الكتابة لم تسبقها إليها روايات المحنكين من كتاب الأدب الغربي الموجه للأطفال واليافعين من أمثال تولكين وسي إس لويس، وهم جهابذة الفلسفة والأدب وأساتذة جامعة أكسفورد الشهيرة. ومما يزيد الأمر غرابة أن تكتب هذه السلسلة كاتبة ناشئة لم يسبق لها الكتابة من قبل، كيف يكون ذلك؟ هذا ما يلفت الانتباه للسلسلة كعمل روائي يحوي معادلة النجاح، وهو في الوقت نفسه الدافع الذي يبعث على فك رموز هذه الأحجية، إن جاز التعبير. إن أول عنصر يعد نقطة قوة في أعمال رولنج هو أسلوب الكتابة المشوق غير المتكلف، فما أن تمسك بالرواية لتقرأها حتى يجذبك أسلوبها ويجعلك تستمر في القراءة دون انقطاع رغم طول الروايات، ورغم هذه البساطة والتلقائية إلا أن المحتوى غزير بأجناس أدبية عديدة أعطت للعمل سمة مميزة عملت على تحفيز خيال القارئ وشد اهتمامه، فمن فانتازيا العوالم الثانوية إلى البناء الروائي الذي يحاكي الحكاية الشعبية، إلى قصص المدرسة التي اشتهرت في القرن التاسع عشر في بريطانيا، إلى أدب السيرة الذاتية، إلى قصص المغامرات والألعاب الرياضية. لا شك أن أحد عناصر النجاح في روايات هاري بوتر شخوص العمل، حيث ارتكزت الكاتبة على ثلاثي مميز من الشخوص المحورية: هاري الصبي ذو الأحد عشر ربيعا، والذي ينتمي إلى سلالة من السحرة ويحمل نبوءة السيادة وشعلة الخير، وصديقه روني المرح وصديقتهما الذكية هيرمايني. يكبر الأصدقاء مع أجزاء السباعية ويخوضون مغامرات منوعة في حربهم ضد الشر المتمثل في فولديمور وأعوانه لينتصروا في كل مرة بعد صراع مرير بين الخير والشر، ذلك الصراع الأزلي الذي يلمس مشاعر القارئ ووجدانه ويتيح له التماهي مع رموز الخير. وبالرغم من اختلاف التحليلات النقدية، إلا أن سلسلة هاري بوتر دخلت عالم الصغار من أوسع أبوابه، فقد صاحب الروايات المشوقة أفلام سينمائية حاكت الأعمال الأدبية وصورت ذلك العالم المثير الذي رسمته الكاتبة، كما اقتربت الشخوص والموضوعات من حياة صغار الأطفال بقرابة أربعمائة منتج منها الدمى وألعاب الفيديو والأزياء، فأصبحت واقعا ملموسا أشبع خيال الأطفال وغذى أذهان اليافعين ووجدانهم بفرص التماهي مع عالم يضج بالمغامرة.