وجدت إسرائيل في حالة التطرف الجهادي التي تعم العالم، من أفغانستان إلى الدنمارك مروراً بالشرق الأوسط وجنوب القارة الأوروبية والقارة الأفريقية، فرصة سانحة -كعادتها- لتسوق للأوروبيين مخاوفها، ولتربط مخاوف الشعوب الأوروبية بمخاوفها، أو ربما ما تتظاهر بأنها مخاوف وجودية على إسرائيل. ولطالما ابتزت إسرائيل العالم الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، بما تسميه (معاداة السامية) التي اكتسبت صفة الجرم الذي يحاسب عليه عند إثباته في جميع القوانين الأوروبية والأمريكية. في الحوادث التي شهدتها أوروبا مؤخراً، في فرنسا بعد مجزرة رسامي كاريكاتور صحيفة شارل ابيدو، ظهر نتانياهو في الصفوف الأولى في المظاهرة المليونية، كان الثاني على يمين الرئيس الفرنسي هولاند بعد أحد الزعماء الأفريقيين في السلسلة التي ضمت أبرز زعماء العالم المتآزرين مع الجرح الفرنسي الغائر. كان نتانياهو يمشي متأبطاً في سلسلة من زعماء العالم، وكأنه صاحب العزاء الأول على قدم المساواة، وذلك لأن المتطرف الأفريقي حمادي كوليبالي المتواطئ مع الأخوة كواشي قد قتل ما يقرب من خمسة يهود في المتجر اليهودي في ثاني أيام مجزرة شارل ايبدو. في التظاهرة المليونية التي خرجت عقب مجزرة شارل ايبدو لم يدخر نتانياهو جهداً في أن يكون في الصفوف الأولى متجهماً وملوحاً بيديه إلى الحشود، وكأنه أو كأن اليهود هم المستهدفون الأول في الهجمات الإرهابية. ولم يدخر نتانياهو جهداً أو وسيلة إعلامية لكي يبين بأن اليهود مستهدفون، وأن العداء للسامية في أوروبا يتصاعد، وأن المساحة الآمنة لهم في هذه الكرة الأرضية هي في إسرائيل فقط، ومن ثم فإن الهجرة إليها هي الفرصة الوحيدة لحياة كريمة أمام يهود أوروبا! لا يمل بنيامين نتانياهو من الاصطياد في المياه العكرة، فالفرصة تبدو جد مواتية لدعوة اليهود الأوروبيين إلى ترك بلادهم الأصلية والهجرة إلى (إسرائيل) البلد الآمن كما يصفها نتانياهو، فقد جدد قبل أيام وبعد إطلاق النار على تجمع كان يناقش موضوع حرية الإعلام في الإسلام، وهذه المرة في كوبنهاجن بالدنمارك، وكان المقصود بالهجوم قتل أحد رسامي الكاريكاتور، وكان الهجوم الآخر لنفس المتطرف على معبد يهودي؛ جدد دعوته لهجرة اليهود من أوروبا، لكن الرد هذه المرة جاء من رئيس الوزراء الدنماركي (هللي ثورنينج) حيث أكد أن اليهود الدنماركيين جزء لا يتجزأ من النسيج الدنماركي، وليسوا إسرائيليين، وستوفر لهم الدنمارك كل سبل الحماية كمواطنين. تصرفات نتانياهو تطرح تساؤلا طالما طرح على المسلمين، وهو سؤال الانتماء. فهل اليهود هم بالضرورة إسرائيليون، حتى أولئك الذين يعيشون في بلدانهم الأصلية وقد ورثوا دياناتهم أبا عن جد حتى قبل أن توجد دولة إسرائيل اليهودية أم أنهم مواطنون أصليون في بلدانهم الأصلية؟ من الواضح أن هذه الدعوة للهجرة والانفعال المبالغ فيه من قبل إسرائيل الحالية بقيادة نتانياهو ينسجم مع دعوة نتانياهو لاعتبار دولة إسرائيل دولة يهودية. ذلك القانون الذي تم التصويت عليه في 24 نوفمبر الماضي من الحكومة الإسرائيلية بموافقة 14 وزيرا مقابل اعتراض 6 فقط. نتيجة الأخطاء التي ترتكب باسم الإسلام، يتم استغلالها بشكل مثالي من أعدائه وتوظف لصالحهم. * قاص وروائي