كُنت في إحدى ليالي أيام الأسبوع الماضي أتبضّع من بقالة الحي، وعندما قدمت إلى المحاسب واقفاً أنتظر دوري، لفت نظري شخص ذو هندام أنيق أشبه بمندوب شركة- وهو كذلك- يعرض ويسوّق لمنتج تبغ جديد للزبائن الراغبين في شراء علب السجائر، وكان يلتقط لهم الصور الدعائية مع المنتج مصحوبة بابتسامة جميلة. في هذه الأثناء، كان يقف عدد من الزبائن، ومن ضمنهم طفلان أكبرهم لم يبلغ العاشرة من العمر، يراقبان المشهد وأنا معهم لأن العرض فعلاً يستحق المشاهدة لغرابته!. لتأتي بعدها الطامة الكبرى حين همس أحد الطفلين ببراءة للآخر- وهنا أكتب بالنص ما قال-: «الله شكله حلو خلنا نجرب». وقفت كالجلمود... أترقب بعدها -وبردّة فعل مباشرة- أوقفت هذه التمثيلية الساخرة، مخاطباً مندوب الشركة: (ما أنت فاعل هنا؟!) فقال: أنا مندوب شركة تبغ عالمية وأسوّق لمنتجهم في محلات الجملة والتجزئة والبقالات جزء منها. أحببت أن أسأل إن كان الله قد منّ عليه بذريّة؟ فآثرت أن أتحفّظ على هذا السؤال، واكتفيت بأن يحاسب في المرة المقبلة، بألا يبدأ عرضه في حضور وتواجد صغار السن والمراهقين، فالعرض مغرٍ ومحفّز للتجربة وفوق كل هذا فهو ب «المجان». كما هو معلوم، يحتل التدخين المرتبة الثانية عالمياً كمسبب في ارتفاع عدد الوفيات، والمصدر الرئيسي لمرض سرطان الرئة وأمراض الجهاز التنفسي، كما أنه يكلّف الدول أموالاً طائلة لتأمين العلاج والدواء، بالإضافة إلى كونه سلوكا غير محمود في المجتمع المسلم، وحتى في المجتمعات الأخرى حول العالم، باختلاف ثقافاتهم ودياناتهم، فترى المدخنين تُخصّص لهم غرف معزولة في المطارات، وزوايا وأركان محددة في المطاعم والأماكن العامة، ويُحظر عليهم تعاطيها في المجمعات التجارية والصالات المغلقة. إن مشاكل التدخين (التبغ) بأنواعه المختلفة والمتنوّعة في طريقة التعاطي والاستخدام من السيجارة إلى ما اختلط بماء كالأرجيلة (الشيشة، المعسل). لا تقف ولن تقف عند هذا المشهد السالف ذكره بالأعلى، فالصراع قديم وقائم في جميع المجتمعات، ولن ينتهي إلا بتضافر الجهود وتكاتف الجميع من مسؤولين وجمعيات وأفراد لمحاربته، والعمل على اقتلاعه وحل المشكل من جذوره وإلى الأبد. كما أن العزل الجسدي للمدخن- أثناء فترة التدخين- ورفع أسعار السجائر مادياً ليس مسوّقا ودافعا أساسياً للإقلاع. فهناك أسباب عديدة يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار ترغِم وتدفع المدخن على الاستمرار في التدخين كالعامل النفسي والمستوى الثقافي وأهمها «الفراغ والصحبة السيئة». لقد اختلف علماء الدين في تصنيف التدخين؛ منهم من حرّمه لأن فيه إفسادا للنفس، ومنهم من وضعه في قائمة المكروهات، ناهيك عن الإجماع على أنه مبدد للمال وتالف للصحة والحال. يقع على عاتق وزارة التجارة والوزارات ذات الصلة، المشاركة في حل هذا المشكل الاجتماعي الذي يؤرّق الآباء والأمهات، ويهدر الكثير من مقدرات وزارة الصحة لاستئصاله، وذلك بعدم الموافقة على بيعه وتداوله في محلات الجملة والتجزئة، ولن يتسنّى- ويتم بشكل فاعل- إلا بحظر استيراده وعدم دخوله البلاد نهائياً. وعلى المتضرر اللجوء للقضاء..