فرضت المسؤولية الاجتماعية مكانتها تحت ظلال الشراكة المجتمعية في القطاعات الخدمية والاجتماعية، وتبلورت استراتيجية رئيسة لتأصيل المبادرات التطوعية. وتسلط المسؤولية الاجتماعية الضوء على إسهام القطاع الخاص في دعم المشاريع التنموية التي تنفذها الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والأندية الرياضية. وتحاكي مهام المسؤولية الاجتماعية الأهداف المرجوة منها؛ لتشكل النسيج الفعلي للشراكة المجتمعية كثمرة متمخّضة عن المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص، ناهيك عن تقديم الاستشارات اللازمة في التخطيط للبرامج. واسترعت المسؤولية الاجتماعية نظر المنظمات الدولية، فكشفت عن مفهومها وأهميتها في تعريفات متباينة شكلًا ومتقاربة مضمونًا؛ حيث عرفها الاتفاق العالمي للأمم المتحدة بقوله: (ربط اتخاذ القرارات في مؤسسات الأعمال بالقيم الأخلاقية..)، بيد أن مؤسسة العمل الدولية قدمت تعريفًا مغايرًا: (المبادرات التطوعية التي تقوم بها المؤسسات مع التزامها بما عليها من واجبات قانونية). ويسجّل البنك الدولي التعريف الآتي: (التزام أصحاب النشاطات في التنمية المستدامة من خلال العمل في المجتمع المحلي؛ لتحسين مستوى المعيشة بأساليب تخدم الاقتصاد والتنمية في آنٍ واحدٍ)، وتعريف موسوعة (ويكيبيديا) كالتالي: (نظرية أخلاقية يقوم بها أي كيان سواء أكان منظمة أو فردًا..). والجوهر المشترك بين التعريفات السابقة، يشير إلى وعي هذه المؤسسات بواجباتها في احتضان المشاريع التطوعية والخدمية دون ربح مادي، ويتضمن روح المبادرة دون اشتراطات ملزمة للمستفيدين. وتبرز أهداف المسؤولية الاجتماعية في دعم مشاريع التنمية المستدامة في المجتمعات، وتطوير الكفاءات والقدرات البشرية، وخلق فرص عمل للحد من المشكلات الاجتماعية كالبطالة والفقر والتفكك الأسري، وإتاحة الفرص للقطاع الخاص ليسهم في علاجها. وأصبح التعاطي مع المسؤولية الاجتماعية ضرورة ملحة تصب في دعم الخطط التنموية، وتلعب الإحصاءات دورًا مهمًا في الكشف عنها، وتُعد الجمعيات الخيرية أولى الجهات المستفيدة من الشراكات المجتمعية، إذ تشرف وزارة الشؤون الاجتماعية على ستمائة وخمسين جمعية خيرية منها: خمس وأربعون جمعية صحية، وأربعون جمعية نسوية، وإحدى وثلاثون جمعية للزواج والتنمية الأسرية، وثلاث وعشرون جمعية لذوي الاحتياجات الخاصة. وتعمل هذه الجمعيات على تقديم المساعدات العينية والنقدية للمستفيدين، وتأهيل الأسر المنتجة، وتطوير قدرات الشباب، وتقديم الدعم الموجه لإصلاح ذات المبين، وتأمين الخدمات الصحية والسكنية للأسر المحتاجة، وكفالة الأيتام. ولاشك أن المهام الجسيمة تستهلك ميزانية الجمعيات، وتحول دون تنفيذ برامجها. وتشرف وزارة التربية والتعليم على أربعٍ وثلاثين ألفا وسبعمِائةِ وتسع وأربعين مدرسة، يتجاوز عدد الدارسين فيها خمسة ملايين، وتنفذ فيها برامج اجتماعية وثقافية وعلمية وفنية وكشفية ورياضية وتدريبية وبرامج خاصة بتكريم الطلبة المتفوقين ورعاية الموهوبين، يتطلب تنفيذها إيرادات مالية ضخمة، تعجز المخصصات المالية للمدارس عن الوفاء بها، مما يحدث خلخلة في الخطط المدرسية. وهذا يفضي إلى الإخفاق في برامج النشاط المدرسي والإرشاد الطلابي، وتدنّي المخرجات الناشئة، وإن حاولت المدارس تخطّي هذه الصعوبات فذلك أمر مكلف للغاية. وعلى المدى المنظور، سوف تتسع الفجوة بين الخطط التشغيلية ومعايير الجودة ومؤشرات الأداء على كافة الأصعدة. وللخروج من نفق الأزمة لا مناص لنا إلا باعتماد برامج الشراكات المجتمعية. وفي تقديري، فإن مشروع المسؤولية الاجتماعية بحاجة ماسة إلى نقلة نوعية تتبناها وزارة الاقتصاد والتخطيط بالتنسيق مع الوزارات الأخرى؛ لتفعيل دورها التنظيمي واللوجستي، واستحداث إدارة عليا للمسؤولية الاجتماعية، وإنشاء جهاز رقابي خاص بها تؤسس له لائحة تنظيمية مرجعية، تدرج فيها هيكلة الجمعيات الخيرية، متضمنة لجنة خاصة بالمسؤولية الاجتماعية، وإطلاق جائزة وطنية للمسؤولية الاجتماعية، وإقامة معرض وطني لهذا الأمر. وأقترح أن تتبنى شركة أرامكو السعودية وشركة (سابك) رعايته؛ لكونهما تملكان قصب السبق في هذا المضمار، واعتماد المسؤولية الاجتماعية كمقرر دراسي في المرحلة الثانوية مع استحداث تخصص أكاديمي يواكب ذلك، وإقرار (اليوم الخليجي للمسؤولية الاجتماعية) على مستوى دول مجلس التعاون؛ تمهيدًا لاعتماده يوما عالميا.