تتعدد القراءات للأوامر الملكية الكريمة التي صدرت مؤخرا بتعدد مراميها الشاملة والكبيرة، والتي أرادت أن تأخذ الوطن إلى نقلة نوعية تحديثية تتعامل مع منطق العصر وواقعاته، بما يستحق من السرعة والدينامية، عبر تفهم الظروف الإقليمية والدولية، وتسارع الأحداث، ولعل تلك الديباجة الواضحة التي تصدرت تلك الأوامر الملكية السامية قد فسرت دوافع هذه الأوامر، التي كانت بالتأكيد بحجم طموح وتطلع المواطن من رجل وزعيم وقائد محنك بحجم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ، وهو من هو في الحكم وفي الإدارة، وفي الرؤية التي تتجاوز حدود المألوف اليومي إلى استشراف المستقبل، والإعداد له. ولو توقفنا فقط عند تلك الأوامر التي اقتضت الاستغناء عن عدد كبير من المجالس، والاكتفاء بمجلسين فقط أحدهما للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشئون الاقتصادية والتنموية، لوجدنا أننا أمام آلية جديدة هدفها الرئيس التخلص من بيروقراطية الأداء، وتسريع عمليات اتخاذ القرارات، وتحاشي تداخل وتقاطع الصلاحيات مما قد يعيق العمل، ويهدر المزيد من الوقت، وهو أنموذج أو صيغة أداء عملي دأب على استخدامه الملك سلمان منذ أن كان أميرا لمنطقة الرياض كتيمة إنجاز تميز بها عمله، حتى صارت جزءا من أدبيات طريقته في الإدارة، ولا شك أن هذا الاختصار في قواعد الأداء سيفضي بالنتيجة إلى نموذج إداري حاسم وسريع، ستتضح آثاره على صيغة أداء تلك القطاعات بمختلف مستوياتها، وقدرتها على مواكبة عمليات التنمية، ومعالجة الأحداث، كما أن ضخ تلك الدماء الجديدة والشابة - تحديدا في العديد من درجات القيادة ومسؤولياتها - يهدف إلى استثمار روح الشباب السعودي وحيويته في إدارة أجهزة الدولة والمساهمة في صنع القرار، وهو أيضا جزء من توجهات المليك الذي آمن بطاقات شباب الوطن، وحسن إعدادهم للمشاركة في تطوير وتحديث كل قواعد التنمية في بلادهم، وضرورة حضورهم وفق تخصصاتهم في كافة مرافق الدولة لإحداث النقلة المطلوبة، على اعتبار أنهم الأكفأ في فهم لغة العصر وأدواته الحديثة، وهذه هي استراتيجية الملك سلمان الذي اعتمدها في كل الأعمال والقطاعات التي تولاها - يحفظه الله -، قبل أن تؤول إليه مقاليد الحكم في البلاد، ليحولها إلى استراتيجية وطنية شاملة تفتح كل الأبواب أمام شباب الوطن للقيام بدورهم تجاه بلادهم ومواطنيهم. غير أن الأجمل في هذه الأوامر الملكية الكريمة أنها لم تأخذ منحىً واحداً للتحديث، وإنما جاءت كحزمة واحدة متعددة الأغراض لتحقق الغاية النهائية، وهي إحداث النقلة الحضارية الكبرى لهذا الوطن في كافة المجالات، ولتحرك الدم النقي في شرايين ومفاصل الدولة بشكل غير مسبوق، مما يتيح الفرصة للمنافسة الحيوية في العمل الخلاق، وهذا ما أراده خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -، والذي يدرك بخبرته وحنكته وبُعد نظره أن ألد أعداء التطوير هو الركود، والإذعان للنمطية الإدارية، والاستكانة للآليات القديمة دون محاولة تطويرها وتحديثها وفق متطلبات كل مرحلة، لهذا أخذت هذه الأوامر على عاتقها مسؤولية الدفع بكافة الأجهزة إلى الأمام، لتشمل كل القطاعات تقريبا وبلا استثناء معتمدة على معيار الكفاءة والجدارة كأساس لهذا التغيير. وبقدر ما أسعدت هذه الأوامر السامية المواطن السعودي الذي رأى فيها أكبر عملية تحديث للجهاز الإداري للدولة، فقد توج خادم الحرمين الشريفين تلك الأوامر بالتفاتة كريمة لدعم قضية الإسكان بشكل سخي، كما ساقت بشائر الفرح بهذا العهد الجديد بجملة من المكافآت والتقدمات والمعونات لكافة موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين وللمتقاعدين ومنسوبي الضمان الاجتماعي، لتدشن العهد الجديد بهذه الفرحة الغامرة التي أسعدت قلوب الملايين، وصرفتها للدعاء لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بالتوفيق والسداد، سائلة المولى أن يمده بالصحة والعافية لإنجاز مشروعه التنموي الكبير الذي هلت بشائره كضياء الشموس.