لقد فجعنا صباح يوم الجمعة الماضية وقد رحل عنا إمامُنا وملكُنا والغالي على قلوبنا الملك عبدالله بن عبد العزيز تغمده الله بواسع رحمته. وإننا في هذا المصاب الكبير لا نملك إلا أن نلتزم بما أمرنا الله به في قوله سبحانه (وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن ولكن لا نقول إلا ما يرضي الرب جل وعلا.. والحمد لله على كل حال. وإن من بشائر الخير لهذا الإمام الراحل -وأهلُ الأرض من المؤمنين هم شهود الله- أنه رحل والقلوبُ معمورة بحبه والألسن مشغولة بالدعاء له والترحم عليه والثناء عليه وهو أهل لذلك -رحمه الله-، فقد أحب شعبه وحرص عليه وبذل الغالي والنفيس في توفير أسباب رفاهيته، والتيسير والتوسعة عليه فجزاه الله عن شعبه وأمته وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. وإن آلاء الله علينا لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم نعم الله علينا أن سخر لنا ولاة أمر يعظمون توحيد الله ويولون العقيدة الصافية النقية أكبر اهتماماتهم، فها هي مملكتكم بحمد الله يُرفع فيها التوحيد ويُقمع فيها الشرك وتُعلى فيها السنة وتُذل فيها البدعة، فلا مساجد تبنى على القبور ولا القبور تدفن في المساجد، ولا يُقرر في مناهجنا ما يخالف عقيدة السلف الصالح، وما كان ذلك ليكون بعد فضل الله لولا ولاة أمر يقومون على رعاية العقيدة والتوحيد بكل حزم وقوة. على ذلك سار مؤسس هذه الدولة الحديثة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وعلى هذا سار أبناؤه البررة من بعده، وهكذا كان الملك عبدالله بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى أن مات، وهكذا بإذن الله سيستمر الأمر من بعده في ظل ملوك هذه الدولة السعودية المباركة. ومن آلاء الله علينا ونعمه أن هيأ انتظام أمر البيعة ورزقنا سهولة وسلاسة في انتقال الحكم من السابق إلى اللاحق. لقد نام كثير من الشعب ليلة الجمعة ثم قاموا فجر ذلك اليوم وما شعروا أنهم فقدوا ملكاً ورزقوا ملكاً دون فتن ولا دماء، ولا صخب ولا نصب، فلله الحمد والمنة. ومن أراد أن يعرف قدر هذه النعمة وعِظَمَ شأنها فلينظر إلى البلدان من حوله، البلدان التي تتقاتل الشهور والسنين لتستقر على حاكم، فلا تصل لمرادها أو لا تصل إلا على جبال من الجثث وأنهار من الدماء والعياذ بالله، وبلادنا -ولله الحمد- كأنها حديقة في وسط حريق. فنشكر الله عز وجل على آلائه ونعمه، فقد اجتمعت -ولله الحمد- قلوب الجميع على بيعة سلمان بن عبدالعزيز ملكاً على البلاد، وبيعة مقرن بن عبدالعزيز ولياً لعهده، وبيعة الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد. وبذلك صارت هذه البيعة شرعية ملزمة لكل فرد من أفراد المملكة العربية السعودية سواء باشر الفرد البيعة بنفسه أم لا. وإنه بموجب هذه البيعة المباركة لزم الرعية لولاة أمرها ما يجب لأولي الأمر من الحقوق الشرعية، وأعظم تلك الحقوق السمع والطاعة لهم في العسر واليسر والمنشط والمكره فيما أحب المرء أو كره، ما لم يؤمر بمعصية كما قال صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية).. الحديث. وقال عبادة بن الصامت: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره واليسر والعسر وعلى أثرة علينا)... الحديث. ومن حقوقهم على الرعية: بذل النصح لهم، وذلك بفعل ما فيه صلاح البلاد والعباد وترك ما فيه ضرر على البلاد والعباد، قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) الحديث. ومن حقوقهم على الرعية أن يخلصوا في الدعاء لهم بالخير والعافية والصلاح والتسديد والتأييد وحسن البطانة. ومن حقوقهم، التعاون معهم على البر والتقوى وإقامة الجمعة والجماعة معهم، والحج معهم والجهاد تحت رايتهم. ومن حقوقهم، محبتهم وتطهير القلوب من بغضهم وغشهم، وبذلك أوصى كبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مَنْ بعدهم. ومن حقوقهم، جمع القلوب عليهم بنشر محاسنهم وستر معايبهم وذكرهم بالخير وكف الألسن عن غيبتهم والزجر والتغليظ على من يتنقص قدرهم. ومن حقوقهم، تعظيمهم وتوقيرهم واحترامهم وإجلالهم دون غلو، وقد ضمن الرسول الجنة لمن خرج من بيته قاصداً تعظيم ولي الأمر، ومظهراً لإجلاله. كما توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهان أولي الأمر بأن يهينه الله ويخزيه في الدنيا والآخرة. ومن حقوقهم، الوقوف معهم صفاً واحداً ضد من يريد تفريق الكلمة وصدع الصف والخروج على الجماعة. ومن حقوقهم لزوم جماعتهم وترك الخروج عليهم ولو فعلوا ما فعلوا من الظلم والأثرة ما لم يبلغ الحال إلى الكفر البواح، قال صلى الله عليه وسلم لحذيفة (اسمع وأطع وإن ضربوا ظهرك وأخذوا مالك). فهذه بعض حقوق الولاة على الرعية وبعض مقتضيات البيعة في الشريعة الإسلامية، هذه بعض الحقوق الواجبة لولاة أمرنا في رقاب الجميع، فنكون كلنا كذلك إن شاء الله تعالى، ونسأل الله تعالى ان يرحم الملك عبدالله بن عبد العزيز وأن يغفر له وييسر حسابه وييمن كتابه ويسكنه فسيح جناته ويعامله بفضله وكرمه ويسبغ عليه من جزيل عطاياه وهباته ويجعله في عليين ويرفع درجته في المهديين ويلحقه بعباده الصالحين ويخلفه في عقبه في الغابرين. اللهم اجبر كسر قلوبنا على فراقه وألهمنا الصبر والسلوان واحتساب الأجر الذي وعدت به الصابرين يارب العالمين. اللهم يارحيم يارحمن بارك لنا في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وأطل في عمره على طاعتك وهب له قوة وتوفيقاً وتأييداً من عندك، اللهم وفقه لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين، اللهم أيده بأخيه وولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز، وأيده بالأمير الشهم محمد بن نايف، اللهم سددهم في أقوالهم وأفعالهم وسياستهم، واحفظ بهم جناب التوحيد والسنة وأعز بهم الإسلام وأهله. اللهم اجعلهم خير خلف لخير سلف، واجعل هذا العهد الجديد عهد خير وبركة ورخاء وأمان وطمأنينة، إنك أنت الكريم الجواد اللطيف الودود الرحمن الرحيم. مدير المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد ببقيق