بينما كنت أغلق نافذة سيارة الأجرة تحاشياً لبرودة هواء العاصمة الألمانية برلين كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يصل الى الرياض ليطمئن على صحة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زيارة مودة ووفاء لهذا القائد الكريم الذي وقف ويقف مع الشعب المصري في ظروفه الصعبة التي ألمت به إثر مؤامرة كبرى كادت تذهب بمصر بعيداً عن عروبتها ودورها التاريخي. فهذه الزيارة وكل سبل التواصل الإيجابي المصري مع العرب والعالم - في نظر الحاقدين - خذلان لهم ولتطلعاتهم الممتلئة بالضغينة. ففي تلك اللحظات كان سائق الأجرة يصب جام غضبه على بلاده مصر وعلى كل العالم، حيث كان يتابع عبر مذياع سيارته تحليلاً لسير محاكمة الرئيس مرسي, ولا أعرف لماذا تمادى السائق في نعت التحولات من حوله بأنها نهاية للعالم فيذكر أن شتاء برلين هذا العام لم يأت بالثلوج والغياب الطويل المعتاد للشمس خلف السحب الكثيفة والضباب !! بسبب طغيان الحكومة المصرية الحالية واستبدادها وأن هذه الحكومة الانقلابية - كما يصفها - سبب جوع نصف شعب مصر، بل تطوع الأخ المهاجر من بلاده مصر منذ 28 عاماً بأن يبشرنا بالتصحيح القادم الذي سيطال كل العالم ؛ أما كيف سيكون هذا التصحيح ومتى وعلى يد من ! فلم يفصح الرجل سوى بأنه عدل من ياقة ردائه المهترئ ومضى يراقب عداد الأجرة. المهم في هذه الواقعة أن الكثيرين في هذا العالم من المصريين وغيرهم مازالوا يعتبرون مصر غنيمة السفهاء وأن تغيير الرئيس لبلد كمصر بسهولة تغيير ملابسهم في قناعات فضفاضة وقدرة على السرد الطويل المنمق وأن كل ما يقال عنهم أو يعاملون به هو مؤامرة ضد الاخوان وعقيدتهم المغلفة بالذقون وترديد التسابيح، مطلقين لمن يسمونهم القيادات تدبير الأمور وبناء العلاقات سراً وعلانية بالتفاوض مع العالم وفق ما تشتهي هذه القيادة التي تتلون وفق المصالح والإملاءات المدفوعة. والغريب أن كل مسلسل الانكشاف والتحول في صياغة خطاب هذه المؤسسة التحريضية التي استهدفت اختطاف دولة بحجم مصر واختطاف كل تاريخها وعلاقاتها وحضورها وتبعاته لايزال محل قبول وقناعة عند البعض باعتبار أن كل ما قيل وشوهد من تناقضات حية مجرد مؤامرة ضد مستقبلهم وخيريتهم الموعودة للدين ولحياة كل البشر وربما لشتاء أروع في بقعة مثل برلين, معتقدين أن انتهازيتهم هي أيقونة السلامة لكل البشر. أعود إلى سائق برلين المتحول عن مصريته وعروبته الذي وجد الحرية هناك في برلين قبالة مقبرة الهولوكوست ليلعن كل أثر لارتباطاته السابقة, فقط وجهت له سؤالا : لماذا لم تعد إلى مصر حين أنتخب الرئيس مرسي؟ ليجيبني : " هو أنت فاكر أنهم كانوا حيسيبوه" فطالما كنت تعتقد بهذه القناعة يا أخي فبالتأكيد إنك تثق أن انتهازية جماعتك ومخططاتها مصيرها الفشل والهزيمة أمام واقع الأحوال وظروفها وما تلك الاستماتة في الوصول إلى الكرسي الكبير في مصر إلا لمجرد جر البلاد والمنطقة للفوضى والدمار دون شعور بالمسئولية تجاه مصر وجياع مصر الذين لم يطعمهم الدكتور مرسي طوال سنة حكمه سوى المزيد من الجوع والخوف ؛ هكذا كان ردي .. سوى أن الرجل أوقف سيارته فجأة وقال وصلنا. * كاتب وإعلامي سعودي