أراد أحد حراس حدائق الحيوانات أن يعلم ابنه البالغ من العمر خمس سنوات أن الحيوان مفترساً كان أم لا، لا يملك روحاً ولا مشاعر، وما يراه في عيني الحيوان ما هو إلا انعكاس لمشاعره هو، فكان أن أتى بعنز صغيرة لنمر جائع جداً وتركها أمامه فانقض عليها وانتهى الأمر، وهكذا كان الإثبات الذي ظل حبيس هذا الطفل، والذي جعله يفقد معنى الحياة الحقيقي في داخله لانكسار معتقده الأساسي والذي كونه بداخله لقناعاته به. القناعة هي الرِّضَا وَالقَبُولُ .. ولكن بماذا؟؟؟ ولماذا؟؟ وكيف نصل لهذه المرحلة؟؟؟ كثير منا لديه الخبرة وكثير منا تفانى في عمله ودراسته لقناعته بأن هذا هو المفروض عليه بأن يعمل بأمانة، وأن يحقق ذاته ويطبق علمه الذي تعلمه ويوظف مهاراته التي حباه الله بها دون سائر خلقه. وكثير منا فقد والديه أو أحدهما وحزن حزناً شديداً فاق جسده البشري، فلحق بهما أو تغير مسرى حياته للأسوأ برغم قناعاته بأنه أمر من الله سبحانه كائن.. وواجب علينا الإيمان به. وكثير من ضرب في الأرض يطلب الرزق وعاد.. إما خالي الوفاض أو رزقه الله الرزق الحلال، فحزن الأول وفرح الآخر برغم قناعاتنا بأن الرزق بيد الله سبحانه يؤتيه من يشاء وأنه مكتوب منذ تكون النطفة في رحم الأم. وكثير من لديه الصديق والحبيب والقريب والأخ والأخت والزوج فيجرح من هذا ويفقد هذا ويؤذى من هذا ويهجره هذا.. برغم قناعاته بأن الأخ والصديق والحبيب لا بد أن يكون بلسما شافياً لا علقماً مؤذياً. القناعات أمر بداخلنا تتكون نتيجة فكرنا ولكنها تصطدم بمشاعرنا، فإما أن نكون من ذوي القلوب القاسية التي لا تعرف الرفق أبداً فتندثر تحت جدار الأنانية، ونستنصر لأنفسنا ومناصبنا وعلمنا وفكرنا ولمجتمعنا ولكل ما نؤمن به ونتجبر على غيرنا طالما استطعنا ذلك. وأما أن نكون من أصحاب القلوب التي امتدحها الرحمن سبحانه، والتي ترفق بكل شيء فنجعل هذه القناعات واقعاً نعيشه، دون أن يغير مسرى حياتنا وحياة غيرنا للأسوأ، بل نسعد نحن ونسعد من حولنا طالما استطعنا ذلك. لا تجعل قناعاتك تصطدم بجدار البشرية القاسية، ولا تنهزم امام تجارب الآخرين التي تناسب نمط فكرهم وحياتهم لا فكرك وحياتك ولا تجعلها تقبع داخلك دون أن تدرك صحتها او خطأها. كونوا كذاك الطفل الذي كبُر واقتنى حيواناً مفترساً وتعامل معه بقناعته أن بالإمكان ترويضه وأنه يملك روحاً ومشاعر طالما كان الرفق والحب متواجدين.. فكان له ذلك.. وأدرك صحة قناعته ونال الرضا النفسي والحياتي بصبره واحتفاظه بقناعاته داخل فكره حتى اشتد عوده وأثبتها لنفسه لا للبشر... لا... للبشر. * تربوية متخصصة بالعلوم الشرعية والنفسية