كثيراً ما يردد الناس أن القناعة كنز لا يفني، وهذا أيضا ما تعلمناه وعرفناه منذ الصغر، والجميع يحث على القناعة ويرغب فيها، بل كثيرا ما نسمع من يحثنا على القناعة ويشير إلى وجوب الاقتناع بالقليل، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي حدود القناعة؟ هل هي الرضا بالقليل أو الرضا بالظلم أو الرضا بالضعف أو الرضا بالفقر؟ اعتقد أن القناعة تختلف تماما عما ترسخ في بعض الأذهان، فليس من المعقول أن تكون القناعة سببا في عدم الطموح، أو سببا في عدم الإبداع، أو سببا في عدم الاستمرار في التعليم، أو سببا في الرضاء بالقليل والفقر، أو سببا في عدم زيادة الطاعات، أو سببا في الرضا بالظلم، لأن ديننا الحنيف نبذ أن يرضى الإنسان بالضعف والاستكانة فقال تعالى عن المستضعفين في الأرض: «إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها» إنه خطاب ينفي القناعة بالضعف. إن القناعة ينبغي أن تجعل الإنسان مقتنعا بالحق قانعا بالعدل، قنوعا بالطموح الذي لا حدود له. لذا ينبغي أن نفهم القناعة بمنظور آخر وهو ألا نقنع بما دون النجوم، وأن يكون الإنسان طموحا إلى مزيد من المراتب العليا، نعم ينبغي أن تكون قناعاتنا عالية، تكمن فيها أهداف راقية تطمح إلى مزيد من العلم والمعرفة، ومزيد من الأخلاق الحسنة، ومزيد من العزة والكرامة، ومزيد من طلب الرزق. فليست القناعة في قليل من الدين أو قليل من العلم أو قليل من المال، ومن حث على القناعة كان يقصد أن تكون القناعة في حدود الإمكانات المتاحة ولكنها قناعة تستغل كل ما وهبنا الله سبحانه وتعالى من إمكانيات. لذا نتمنى أن لا تكون القناعة دعوة إلى البقاء في المراتب الدنيا والرضا بالقليل من المال أو الرضا بالجهل أو الرضا بالفقر أو الرضا بالعجز والظلم، بل ينبغي أن تكون قناعتنا فكرا إيجابيا يستغل ما وهبنا الله سبحانه وتعالى من إمكانيات وأسباب. مجيب الرحمن العمري جدة