لا تخلو أي بيئة استثمارية في أي دولة من دول العالم من ظهور بعض المنازعات، وهذا يتطلب وجود وسائل ناجعة لتسوية أي نزاع قد يظهر بين المستثمر الأجنبي وشريكه المحلي، أو المستثمر والبلد المضيف. لذا فإن وضع آليات فاعلة لحسم منازعات الاستثمار تتسم بالحياد التام والإنصاف والمساواة سيكون لها أبلغ الأثر في جذب رؤوس الأموال الخارجية إلى الداخل، وتحفيز المستثمر الأجنبي على الإقدام لاستثمار أمواله بخطى واثقة. ومعلوم أن المملكة لها منظومة عدلية تتمتع ولله الحمد بالحيادية والإنصاف وفقاً لشريعتنا السمحة. وقد نصت المادة الثالثة عشرة من نظام الاستثمار الأجنبي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 5/1/1421ه على آلية تسوية المنازعات ذات الصلة بالاستثمار، حيث نصت على أنه: «مع عدم الإخلال بأي اتفاقيات تكون المملكة العربية السعودية طرفاً فيها تتم تسوية الخلافات التي تنشأ بين الحكومة والمستثمر الأجنبي فيما له علاقة باستثماراته المرخص لها بموجب هذا النظام ودياً قدر الإمكان، فإذا تعذر ذلك يحل الخلاف حسب الأنظمة. كما تتم تسوية الخلافات التي تنشأ بين المستثمر الأجنبي وشركائه السعوديين فيما له علاقة باستثماراته المرخصة بموجب هذا النظام ودياً قدر الإمكان، فإن تعذر ذلك يحل الخلاف حسب الأنظمة». ويفهم من النص السابق أن تتم التسوية بالطرق الودية قدر ما أمكن. كما أشارت هذه المادة إلى نوعين من منازعات الاستثمار وهما، المنازعات التي يمكن أن تنشأ بين الحكومة والمستثمر الأجنبي، والمنازعات التي يمكن أن تنشأ بين المستثمر الأجنبي وشركائه السعوديين. ومواكبة للتطورات السريعة في النظام الاقتصادي العالمي الجديد فقد اتجهت غالبية التشريعات القانونية الحديثة نحو إقرار وسائل ودية لتسوية المنازعات كالمفاوضات والتوفيق والوساطة. ويتم اللجوء لهذه الوسائل في حال عدم وجود اتفاق مسبق على تسوية النزاع بوسيلة محددة. وفضلاً عن ذلك فإن هذه الوسائل دائماً ما تكون موضع ترحيب من قبل السواد الأعظم من رجال الفقه القانوني، ومن الأطراف المعنية أنفسهم، لأن اللجوء للجهات القضائية لإنهاء المنازعات قد أضحى أمراً غير مرغوب فيه من قبل العديد من المتنازعين في المجال الاستثماري في تلك الآونة. وتتميز هذه الوسائل بإقرار التفاهم بين أطراف النزاع بما يساعد على استمرار العلاقات الاستثمارية، وتوفير الوقت والمال بما يساهم في التوصل لتسوية سريعة ومرضية وغير مكلفة أيضا، إلى جانب المحافظة على سرية المعلومات الخاصة بالنزاع بين الأطراف بما لا يؤثر على سمعة الشركة وكيانها التجاري، فضلاً عن اكتساب الأطراف الخبرة في تسوية نزاعاتهم بطرق ودية ودون اللجوء إلى القضاء وبما يتناسب مع النظرة المستقبلية التي تحافظ على المستندات المطلوبة. والمفاوضات كما يعرفها أهل الخبرة بأنها: «المشاورات والمباحثات التي تجرى بين طرفين أو أكثر بقصد التقريب بين وجهات النظر المتعارضة للوصول لتسوية النزاع القائم بطريقة ودية». وعليه فإن هذه الوسيلة تعتبر من أنجع الوسائل في حسم المنازعات لأنها تتطلب وجود اتصال مباشر بين الأطراف المعنية، وهذا من شأنه تيسير وتشجيع الحوار والتفاهم بينهم لمناقشة أسباب وتداعيات النزاع، والبحث عن أفضل الوسائل لتسويته بإرادة واتفاق الأطراف أنفسهم. وهذا يدل على أن هذه الوسيلة تتسم بالمرونة وبساطة الإجراءات، والبعد عن الشكليات التي تتطلبها إجراءات التقاضي. وتهدف هذه الوسيلة إلى حل النزاع أو الاتفاق على حله بأي وسيلة أخرى خصوصاً عند وجود الأدلة الكافية لدعم موقف الطرف صاحب المطالبة. وسوف نستكمل الحديث في مقالات قادمة إن شاء الله عن فاعلية الوسائل الودية في تسوية المنازعات الاستثمارية آخذين في الاعتبار أن الاستثمار الأجنبي في البلد المضيف طريق ذو اتجاهين، فلكلا الطرفين حقوق وعليهما التزامات.