جميعنا يردد وبكل قناعة أن مجموعة الشباب السعودي الذين فَخّخوا أجسادهم قبل أيام، ثم هللوا وكبروا وفجروها بلامبالاة ولا اكتراث لم يكونوا في واقع الأمر مفخخين جسدا، كونهم في الأصل لا يَعتَدّون بالجسد ولا بأعضائه ولا بلحمه ولا بشحمه، ولا يعترفون بحقه عليهم وواجبهم تجاهه، على الرغم من أن ديننا الحنيف أسهب في هذا الشأن ونظمه، فتفخيخ الجسد على شاكلة ما فعله هؤلاء ومن سبقوهم يقودنا إلى التفكير فيما نعلمه جميعا وندركه تماما كما ندرك أسماءنا، من أن التفخيخ الحقيقي ليس تفخيخ الأجساد بل أبعد وأعمق وأصعب!! عملية التفخيخ تلك في حقيقتها عملية معقدة للغاية، لأنها تحمل صورتين متداخلتين: ذلك الجسد الأداة الذي بواسطته يتم القتل والدمار، وهذا لا يمكنه أن يتم إلا بتفخيخ مسبق للصورة الثانية، ونعني بها أهم ما يمتلكه الإنسان، وأبرز ما يميزه عن غيره من المخلوقات، ومؤخرا قرأت كتابا يسعى مؤلفه لتفكيك هذه العملية التي نراها بسيطة في الظاهر وهي على عكس ذلك في باطنها. يضرب مؤلف الكتاب مثالا بالدولفين، ذلك الحيوان الذي « رُشِحَ لأن يكون كائنا مفخخا، يُدَرب على تتبع الغواصات المعادية، والاحتكاك بها، والانفجار فيها، واختيار الدولفين جاء لسببين: سرعته التي تتجاوز 44 كيلو مترا في الساعة، ثم تقبله للتوجيه»، وتفخيخ الدولفين يقابله تفخيخ الانسان، ولكن شتان بينهما، فالدولفين لا يدرك ما يجري كونه لا يعقل، ولكون تفخيخه تمركز حول الجسد، على عكس الإنسان الذي استُغل جسدا وبُرمِج وفُخِّخَ دماغا، ولو لم يكن قد برمج في دماغه لم هان عليه جسده لأنه يدرك ويعي ويميز. أحسب أن أول ما يتم الاشتغال عليه في برمجة المُفَخَخِيْن هو كُره الحياة، وبُغض الإنسانية، وتبخيس الآخر بشتى صوره، ومكمن الخطر في سهولة انتقاء من يتقبل فكرة الكُره ويستعذب الموت ويتلذذ بالانسحاب من الحياة، ونقول سهولة حين ينطوي مجتمع ما على عدد كبير من الشباب المنزوي، البعيد عن الفعاليات المجتمعية، والذي أدمن الاستماع إلى الفكر الأحادي بطبيعته الاقصائية، الذي يرى الحياة لونا واحدا، وإلا ما القوة التي تستطيع أن تحيله إلى قنبلة تميته قبل أن تميت غيره. بحركة استباقية يمكن الحد من المُفَخَخِيْن ومن تزايد أعدادهم، وهذه الحركة يلزمها عمل جاد يقطع الطريق على محترفي تفخيخ الأدمغة البشرية، وخاصة الشباب، وعن مجتمعنا السعودي نقول ليس أكثر من اطلاق البرامج الشبابية الخلاقة لاحتواء هذه الأدمغة، وكسر سياجات العزلة والانزواء والتشدد عنها، وهي بأمس الحاجة إلى اكتشاف ما تملكه من قوى ومواهب وطاقات تفوق قوة التلقين والحفظ والنُسَخ الكربونية، عبر برامج شبابية وفرص مجتمعية لا تتوفر للأسف الشديد، بل إن مؤسساتنا التعليمية أو الشبابية لا تضع ضمن استراتيجياتها مهمة احتواء الشباب، وحينما نقول استراتيجية فنحن لا نعني بالتأكيد تلك البرامج أو الفعاليات المرتجلة، أو المناشط الموجهة للنخبة، إنما نعني الخطط المنظمة القائمة على الدراسة والتخطيط والدعم، وهو ما قصدناه بقطع الطريق على من اتخذوا شبابنا فِخَاخَا لأهدافهم الخسيسة. ونختم مؤكدين على أن أدمغة المفخخين كما يقول صاحب كتاب «الأدمغة المفخخة» «هي مراكز الاستقبال والتوجيه في الإنسان، وهي تتلف معنويا كما تتلف ماديا، وحين تتلف معنويا تصبح مهيأة للشحن والنفخ والتفخيخ».