«أب يعلم أولاده السباحة قال لهم: يا عيالي قبل عشرين سنة كنا نغطس يومين تحت الماء! قال له أولاده: والأكسجين؟! قال: الكلام هذا، قبل لا يجي الاكسجين». هذه الطرفة تحكي حال بعض الآباء الذين تتركز سياساتهم التربوية على ترميز شخصيته وتضخيمها في عيون أبنائه حتى ولو بالكذب والتعالم! فهو الأب الذي يعرف كل شيء! ويفهم في كل شيء! ورأيه هو الرأي الوحيد الصواب وكل ما سواه مشكوك فيه! ولذلك تجده بحضور أولاده يحول مجلسه إلى ميدان للسخرية من الآخرين –حتى أقاربه- فالجميع أغبياء إلا شخصه الكريم! المشكلة أن جيل الأبناء لم يعد كجيل الآباء بحكم سهولة الوصول إلى المعلومة، ولذلك فإن الأذكياء –بل ومتوسطي الذكاء منهم- سيكتشفون فضائح الآباء حتى ولو لم يقولوها في وجوههم، وإذا لم يتم الاكتشاف المبكر لهذه التمثيلية، فإن نضج الأبناء وكبر سنهم كفيل بأن يجعلهم يكتشفون الخدعة التي عاشوا فيها سنين، وهنا يسقط الرمز وتكون ردة الفعل مدمرة! لا يجب أن يظهر الأب ضعيفاً أمام أبنائه، بل عليه أن يطوّر قدراته، ويسعى لأن يكون قدوة لهم في كل شيء، وبعض الآباء أكمل دراسته على كبر لكي يكون قدوة حقيقية لأبنائه في الاهتمام بالعلم والحرص عليه، ولكن بالمقابل على الأب أن يوازن، ويشعر أبناءه أنه بشر يخطئ ويصيب، ولا يمكن أن يحيط بكل شيء! وأنه لا يجب أن يكون مصدر المعلومة الوحيد فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وعليه أن يضع لهم المنهجية الصحيحة في البحث عن المعلومة وتيسير سبل الحصول عليها، ويبقى دورهم الأكبر، فتعليم الاصطياد خير من إطعام السمك كما قال الصينيون قبل آلاف السنين! بدأت بطرفة وأختم بطرفة أب آخر من نفس الفصيلة، فقد درس هذا الأب في نفس المدرسة التي يدرس فيها ابنه، وأثناء إعادة تنظيم أرشيف المدرسة رأت إدارتها تسليم الملفات القديمة لأصحابها، وكان نصيب هذا الأب أن يُعطى ملفه الجميل لابنه! في اليوم التالي دخل الأب المدرسة مزمجراً فقد تم فضحه أمام ابنه بالطماطم الأحمر –خاص بالأجيال القديمة- الذي كان يملأ جنبات الملف، وهو الذي كان يقول لابنه إنه من العشرة الأوائل!