ما إن صدر الأمر الكريم بتعيينه وزيرا حتى تقاطر عليه الجميع من كل مكان وازدحم منزله بالورود والمهنئين وسمع عبارات وكلمات لم يسمعها من قبل نثرا وشعرا. امتلأت الصحف والمواقع الاليكترونية بالتهاني والتبريكات، ألبسوه تاج الوقار وأجلسوه في صدر المجلس عندما يبتسم لأحدهم مجاملة ترمقه العيون بالغيرة والحسد، وعندما ينادي أحدهم باسمه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها، وعندما يتكلم يُسمع لقوله، وعندما يذكر طرفة تبلغ الآفاق من حسنها وجمالها وطرافتها، قوله حكم وملبسه موضة جديدة، صوره على شاشة هواتفهم النقالة. وابتسامته المميزة أصبحت نغمة لرسائلهم. تزاحموا عليه لينالوا شرف السليفي (selfie) مع معاليه!! في اليوم التالي استقبل المهنئين بالمكتب ومن ضمنهم أبناء العمومة والأقارب والأصدقاء. هذا يحمل صورة من شجرة العائلة ويشير إلا انه يجتمع معه في الجد الخامس عشر. وآخر أحضر معه بعض الشهود ليثبت أنه شقيقه بالرضاعة. وآخر يحمل توصية من الوالد لتسهيل أمره وهو ابن لصديق قديم، وهكذا من الصور التي اعتاد عليها مجتمعنا المترابط!! ماذا يريد هؤلاء؟! أحدهم جاء بابنه الذي لم يكمل الابتدائية مع مرتبة الشرف يريد وظيفة مرموقة بالدائرة، وآخر يريد التوسط لقبول ابنه بالجامعة بتقديرات متدنية جدا، وغيره يريد الشفاعة لأخيه الذي حُكم عليه بالسجن عدة سنوات، ومن يريد توصية لنقل زوجته المعلمة بجانب منزله، وذلك يريد قرضا حسنا.. إلخ. من الطلبات التي لن تنتهي. وفجاة ، تكونت لديه عائلة كبيرة ببطونها وجذورها وأفخاذها لم يسمع عنها من قبل جاءته من أطراف المعمورة! الواسطة والمحسوبية أو الشفاعة حسنها وسيئها ثقافة تشربتها بعض المجتمعات المحافظة وهذا واقع تفرضه طبيعة العلاقة بينهم ولا يمكن تجاهله ومن يرفضها سيكون عرضة للانتقاد واللوم، لذلك كان الأمر لهذا المسؤول محير، فهو بين أمرين كلاهما مر، إما أن يستجيب لمطالبهم- التي بالتأكيد لن تنتهي وستتجاوز حدود المعقول وستكون على حساب سمعته ومركزه- أو يغلق الأبواب ويتحمل النتائج المترتبة على ذلك. قرر أن يكون أمينا في تعامله مع الأمر، فالشفاعة التي لن تلحق الضرر بالآخرين ومستحقة شرعا ونظاما، لن يتوانى أبدا في السعي لبذل كل ما يستطيع من اجل تحقيقها، أما غيرها من الشفاعات الأخرى فسيرفضها ويجب على الآخرين فهم الموقف، بالطبع يعلم يقينا انه سيواجه سيلا من الاتهامات وسيحارب من الأكثرية وسيكون حديث مجالسهم وقد تُدبر له المكائد، لكنه ماض في موقفه ولن يتراجع مهما كانت النتائج!! يردد دائما، هذه ضريبة المركز والقسم الذي قطعته على نفسي لا يزال صداه يتردد في مسمعي، وسأكون بارا بقسمي ما حييت وأسأل الله أن يمدني بعون من عنده انه وحده القادر على ذلك.