مرة أخرى، تثبت الأسواق أن لا أحد يعرف أي شيء. في أعقاب بعض الجيشان المرتبط بالنفط خلال الأسابيع القليلة الماضية، انطلقت الأسواق المالية يومي الأربعاء والخميس. حصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على أكبر مكاسب يومية متتالية منذ مارس 2009. أبدى مديرو الصناديق الاستثمارية، الذين لم تكن لديهم استثمارات كافية، والبائعون على المكشوف، وحتى البائعون على أمل ارتفاع الأسعار فقط، وكذلك مديرو الأموال في الصناديق التي استثمر فيها المستثمرون بالكامل، قلقهم لعدم امتلاكهم أسهما عالمية كافية. مرة أخرى، لقد سببت السوق الإرباك لكثير من أذكى المستثمرين في العالم. يعتقد بأن أسواق رأس المال هي آلية لشراء وبيع السندات طويلة الأجل أو الأوراق المالية المدعومة بالأسهم، لكن ذلك التعريف مصاب بالقصور. تعتبر السوق شخصا فيلسوفا، أو أستاذا صبورا على أولئك الذين يأتون إلى الصف وهم على دراية بالحكمة التي ستقدم لهم. إن الدروس المستفادة والمقدمة لأولئك الذين ينتبهون إلى هذا الصف من طلاب الدراسات العليا في الفلسفة هي دروس غنية وعميقة ومناقضة للحدس إلى حد كبير. أثناء قراءة كثير من تنبؤات عام 2015، هل تذكر كيف تنبأ كثير من الخبراء الاستراتيجيين بحدوث انهيار في أسعار النفط الخام في بداية العام؟ هذا صحيح، كان عددهم صفرا بالضبط. تذكر بداية عام 2014، عندما كان 72 من أصل 72 اقتصاديا يتوقعون أسعار فائدة مرتفعة وأسعار سندات منخفضة. فماذا كان نطاق صحة توقعاتهم؟ طبعا لم تتحقق توقعاتهم. كما لاحظنا قبل بضع سنوات: «قد يكره الخبراء حالة عدم اليقين – حيث إن ذلك يجعلهم يبدون حمقى - لكن الأسواق لا تحمل مثل ذلك التحيز. في الواقع، تزدهر الأسواق في حالة عدم اليقين، وهذه الحالة هي سر وجودها». حاول إلقاء نظرة على أي مجموعة من التوقعات، وحاول ألا تضحك كثيرا. أرجو أن يفهم القارئ أني لا أشير إلى الأخطاء المعتادة والتحيزات التي تتعرض لها، إن كون الإنسان عبارة عن كتلة من الأعطال والاستخدامات العقيمة ومحاولات الاستدلال الفاشلة هو أمر مسلم به. بدلا من ذلك، أنا أشير إلى الحكايات الكاذبة التي يقومون بتلفيقها من أجل تبرير ما يحدث كوسيلة للمضي قدما في يومك المهني. إن حقيقتك هي بناء مصطنع، وشعورك بذاتك هو مستنقع من التفاعلات الكيميائية، وعالمك مليء بالمعتقدات الخاطئة والافتراضات غير الصحيحة. أنت جهاز حيوي - ميكانيكي ضخم لإنشاء الأخطاء. كلما أسمع عبارة «عدم اليقين»، لا يسعني إلا أن أضحك في سري على من يقولها. تعيش معظم الوقت في عالم من الخيال من صنع يديك، وتتخيل أنك تفهم ما يحدث، وتتظاهر بأنك تعرف ما سيأتي. تعتقد فعلا أنك تستطيع السيطرة على النتائج المستقبلية، لكن كل ذلك بالطبع كلام فارغ. مع ذلك، تعيش في حالة إنكار حتى تجبرك الأحداث على مجابهة مختلِق الحكايات الموجود في داخلك. عادة ما يساء فهم حالة الشك أو عدم اليقين، وتنتهي فقط عندما تعترف بأنك تعلم القليل، وأنه ليس لديك فكرة عما سيأتي لاحقا وليست لديك السيطرة على الأحداث المستقبلية. كل ذلك يسبب الفزع لبريق النهار الحي المنبعث منك. إن آلية التكيف الخاصة بك للتعامل مع هذا الوضع هي البدء بالتخلص من بعض الكلام الفارغ المعتاد حول حالة عدم اليقين، بدلا من الاعتراف بالحقيقة. كان ذلك هو الخيار المقدم في الفيلم «الماتريكس»: تستطيع ابتلاع الحبوب الحمراء أو الحبوب الزرقاء، حيث إن الحبوب الزرقاء تحافظ على وهم السيطرة، والقليل جدا منكم يختارون الحبة الحمراء، إذ يفضلون الخيال المريح عن الواقع المرير. أولئك منكم الذين يصرون على أنه يمكنهم التنبؤ عن بعد بما قد يحدث لاحقا يستمرون بإظهار معتقدات تم دحضها وفي منتهى الحماقة، على الرغم من الأدلة الساحقة التي تفيد بأنه ليست لديك أدنى فكرة عما يحمله المستقبل لك.