مع حلول الشتاء وبرده القارس هناك أسر وأفراد وعوائل وبيوتات يعضها عضاً فيؤلمها بصريره ويؤذيها بآلامه وقريره فتتلوّى ألماً وتصيح وجعاً، ليس لها بعد الله إلا الأخيار وأهل الفضل. كان حاتم الطائي يخرج في ليالي البرد يلتمس الضيف ويبحث عمن يكرمه بإطعامه وتدفئته وسد حاجته ومحادثته ويجعل الجائزة لمن يأتي به من خدمه العتق والحرية فيقول: أوقد فإن الليل ليل قر *** والبرد يا غلام برد صرُ عسى يرى نارك من يمر *** إن جلبت ضيفاً فأنت حرُ وهو جاهلي لا يريد ثواباً ولا يخاف عقاباً ولكنها نخوة العرب وكرمهم والجميل من أخلاقياتهم وقبل كل شيء يريد تخليد اسمه وبقاء ذكره فكان. في شدة البرد وهيجانه هناك أسر تصيح وأخرى تستغيث أملها في الله ثم في أهل الخير أن يقوموا بتدفئتها وإعانتها على شدة البرد وآلامه وأمراضه المضنية. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع. والله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة). فكيف بأنفس تصيح من شدة البرد وفينا الأثرياء وأهل اليسار، لهم أقارب وأرحام وجيران وخلان يتدثرون بما يشاؤون ويلبسون ما يريدون ويفعلون ويفعلون والمساكين يتلوون من البرد! أين الدين والضمير؟ أين الأخوة وحق الجوار؟ أين المؤسسات؟ أين التجار والأثرياء؟ هل يرزقون وينصرون إلا بضعفائهم؟؟! قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لِمَ لم أمهد لها الطريق؟!. فيا أيها الإنسان مالك إلا ما قدمت، فساهم في إعانة المحتاج وإغاثة الملهوف والوقوف مع المسكين، وأبشر بكل خير في الدارين فصنائع المعروف تقي مصارع السوء. من يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب العرف عند الله والناس.