لا توجد جريمة أو ذنب أكبر من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فالله سبحانه وتعالى بَيّنَ ذلك في كل كتبه المُنزلة، بل لا يوجد دين يُبرر قتل النفس إلا بالحق، ورسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم مات وهو لا يرضى بالظلم حتى على الكفار فكيف بالقتل!! وجاء من بعده الخلفاء الراشدون، سادتنا أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم، وكلهم على نهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، وجاء من بعدهم علماؤنا المتقدمون وعلى رأسهم الامام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبوحنيفة، وجاء من بعدهم علماء الاسلام المتأخرون في جميع الدول الاسلامية، وخصوصاً علماء هذه البلاد العادلة بلاد الحرمين الشريفين، كل هؤلاء العلماء الاولين والآخرين مجمعون إجماعاً لا اختلاف فيه، على أن القتل بدون وجه حق هو من أكبر الذنوب وأعظم الموبقات، وأن ما يحدث في دول حولنا من قتل للمسلمين من أبناء السنة وعلى الهوية يجب ألا يكون مبرراً للجهلة أن يقدُموا على هذا الفعل الشنيع في بلادنا، فالخطأ لا يعالج بالخطأ. نحن ولله الحمد، نعيش على أرض مباركة يُؤمر فيها بالمعروف ويُنهى فيها عن المنكر ويُقام العدل في كل مناطقها، ويُنصف في محاكمها غير المسلم، ويُؤخذ له حقه من المسلم، وأولياء أمورنا وأمراؤنا وحكامنا في كل مناطق ومحافظات ومدن وقرى المملكة العربية السعودية يقيمون العدل ويرفعون المظالم ويعيدون الحقوق إلى أصحابها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يرضوا بقتل غير المسلم ظلماً وعدواناً، فكيف بقتل المواطن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وقبل أن نناقش الاسباب أو حتى نتحدث فيما حصل في قرية الدالوة بمحافظة الاحساء الغالية على قلوبنا، يجب أن يتفق الجميع اتفاقاً بألا نسمح بوجود من يبرر هذا الفعل بيننا بأي شكل من الاشكال، بل يجب ألا نسمح لأحد بأن يقول كلمة "و لكن"، لأن ما جرى جريمة لا يمكن تبريرها، لقد أُزهقت في هذه الجريمة أرواحٌ بغير حق وسالت فيها دماء بريئة، وأراد من أراد بهذا الفعل ان يشعل شرارة الفتنة، ولكن بحمد الله لم تشتعل، ووقف الشعب السعودي النبيل بجميع أطيافه جنبا إلى جنب مُتحدا ضد قوى الشر والاجرام، وندَدَ علماء هذه البلاد وعلى رأسهم مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وهيئة كبار العلماء ومجلس القضاء الاعلى، بهذه الجريمة النكراء، ووقفوا موقف الشرفاء بدون محاباة أو مواراة، وأما حكامنا أمراء آل سعود الكرماء، فهم من أوائل من عزّى وواسى أهالي المتوفين، ووقفت حكومتنا الرشيدة موقفاً حازماً وتتبعت الجناة وألقت القبض على من ألقت، وقتلت من قاوم بالعنف ولم يقبل بتسليم نفسه للعدالة، ودفعت بلادنا دماً غالياً من دماء رجال أمننا الأشاوس لتحقيق الأمن والامان والعدالة. شخصياً، أنا أؤمن إيماناً عميقاً بأن الجناة، وبغض النظر عن مذهبهم ومعتقداتهم، هم بالأصل قوم عنيفون، فلو لم يكونوا عنيفين لما استطاع أي مخلوق أن يقنعهم بالقيام بالقتل، لكن لماذا هم كذلك؟؟ هل هو ديننا ؟؟ لا ومليون، لا، فرب العزة والجلال يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) فالله سبحانه يحذر من الفظاظة فكيف بالقتل!! إن العنف سلوك ينشأ مع الطفل ويكبر معه، فإذا لم يجد من يهذبه ويربيه وينشئه على اللين والرفق والمحبة فإن العنف سيجد طريقاً ممهداً لقلب ذلك الطفل، خصوصاً إذا وجد من يشجعه على أخذ حقه بيده، ويزداد هذا السلوك سوءا إذا رأى أباه يعتدي بالضرب على والدته ووجد إخوانه يعتدون على الخدم والعمال بأيديهم، عندها لا عجب من أن هذا الطفل سوف ينشأ وهو يعتقد أن العنف هو الطريق الوحيد لاسترداد الحقوق، وسيكون صيداً سهلاً ومرعى خصبا للمجرمين، أما من تربّى ونشأ في بيئة كلها حب ووئام، في بيئة لا يمكن ان يرى فيها يداً تمتد على أحد، فهذا الطفل وإن كبر فلن يجد المجرمون إليه سبيلاً. لكن السؤال المهم هو: لماذا أصبح بعض أفراد مجتمعنا يتجهون للعنف ولا نرى خطوات عملية لمعالجة هذا الخلل؟؟ ما نراه من عنف في مجتمعنا يستدعي أن نجد حلولا جذرية قبل أن يستفحل الداء، ولقد كتبت عن بعض هذه الحلول سابقا، لكن المقام الآن يستدعي أن نتدارسها لاستئصال أصل الجرائم، وهو العنف، من عقول وقلوب أبنائنا ومن هذه الحلول: 1. أن يتم عقد لقاء يجمع التربويين وعلماء الاجتماع لبحث أسباب العنف وأفضل الطرق لتربية النشء على اللين والرفق والمحبة والوئام. 2. قيام وزارة التربية والتعليم بدراسة أفضل الطرق لتدريس المحبة وبيان مساوئ الغضب والعنف وطرق علاجه تربويا في مدارس التعليم العام لنخرج جيلا جديدا لايعرف الغضب والعنف. 3. قيام وزارة الصحة بدراسة أفضل الطرق لإنشاء مراكز لعلاج حالات الغضب المرضي والاستفادة من التجارب العالمية. 4. قيام وزارة العدل بدراسة استبدال جزء من محكوميات الجناة بسبب الغضب والعنف بحضور دورة في علاج الغضب في مراكز علاج الغضب وأن يحضر شهادة بذلك أو يُعاد للسجن لاستكمال محكوميته. 5. قيام وزارة الداخلية بتوعية المجتمع بأن مجرد حمل أي سلاح مهما صغر هو ضد النظام ويعد جريمة يعاقب عليها القانون. والله أسأل أن يكون أبناء هذا البلد سفراء للمحبة في كل مكان. * استشاري كلى ومتخصص في الإدارة الصحية