ساءنا جميعا نبأ الاعتداء الإجرامي الآثم الذي حدث في احدى قري مدينة الأحساء، والذي راح ضحيته خمسة قتلى وإصابة تسعة آخرين، في عملية ارهابية استهدفت الأبرياء العزل، والجميع في مملكة الأمن عبر عن رفضه للأعمال الغوغائية واستنكاره وشجبه الممارسات الإرهابية، لما فيها من هتك لحرمة النفس المعصومة، وتعد سافر على حياة المواطنين الآمنين المطمئنين، ومحاولة لزعزعة الأمن والعبث باستقرار الوطن. عادة في مثل هذا الحادث يكون الغموض سيد الموقف والأمور يكتنفها تشابكها وتعقيداتها، والمجرمون لهم طريقتهم في إخفاء الأدلة وخلط الأوراق وتشتيت انتباه رجال الأمن، وتحتاج القضية مزيدا من الوقت لفك طلاسمها، مما يؤخر عملية الوصول للجناة والقبض عليهم، إلا أن هذه المرة وفي قضية الأحساء الأخيرة تحديدا، وجدنا تعاطي رجال أمننا البواسل وتجاوبهم ابتداء مختلفا أداء واسلوبا. فمنذ اللحظة الاولى للحادث كان هناك استنفار في كل اتجاه، وتطويق للمنطقة بكاملها مما ضيق الخناق على المجرمين، وقد سجل التاريخ بفخر سرعة بواسلنا القياسية في القبض على المجرمين الستة قبل أن يجف دم ضحاياهم، مما يجعلنا فخورين بهذا الإنجاز الامني غير المسبوق، ونرفع لرجال أمننا الأشاوس (عُقلنا) ونسجل لهم تقديرنا وامتنانا على هذه اليقظة والاحترافية في أداء مهامهم الامنية والوطنية. لم نطلع حتى الآن على نتائج التحقيق ودوافع الجريمة، والحقيقة الوضع لا يحتاج لكثير جهد وعناء حتى تكتشف اسرار هذه القضية، فهناك معطيات وإرهاصات تعطيك قراءة أولى، وتمكنك من قراءة الخطوط العريضة لدوافع الجريمة وملامح مرتكبها، فزمان الجريمة ومكانها وهوية مرتكبيها تدلل على أن هناك أيديَ خفية ووجوها مقنعة، تحاول بدناءة استخدام الورقة الطائفية لضرب اللحمة الوطنية وتلك الأطراف ما فتئت تبث الفرقة في المجتمع الواحد، لجر الوطن لدوامة الصراع المذهبي وإشعال الفتنة الطائفية، فليس بجديد سعي أعداء الوطن الحثيث وبكل وسيلة ممكنة لاختلاق الأزمات والتوترات والتلاعب بالتناقضات في ممارسات غبية غير محسوبة النتائج، ليجعلوا من هذا الوطن ساحة اقتتال وسفك للدماء، وبحول الله ستخيب مساعيهم وستضرب المملكة بيد من حديد على كل عابث، فأمن الوطن ووحدته ولحمته خط أحمر. (الحسا) قبل أن تكون واحة نخيل غناء، فهي واحة كبيرة من السلم الاجتماعي الفريد، فمنذ تأسيس الوطن وقبل تأسيسه وقاطنو (الحسا) ينعمون بتعايش سلمي وتواد وتآلف ليس له مثيل، فالكيان الاجتماعي الحساوي المتنوع فكريا ومذهبيا أبعد ما يكون عن التخندقات الطائفية أو التحزبات المذهبية، ومنذ زمن بعيد استطاع الحساويون ان يجعلوا من نسيجهم نموذج تنوع حيوي ايجابي لا نموذج تنوع تضاد سلبي، فتمكنوا بأريحية إنسانية من التفعيل الايجابي لما هو متوافر من المشتركات البينية، ومتجاوزين بمسئولية جميع فوارقهم واختلافاتهم الفكرية والمذهبية، ومن زار الحسا سيطيب به المقام وسيلاحظ هذه الحقيقة ماثلة أمام ناظره، فمن الصعوبة بمكان تحديد الهوية المذهبية للشخص الذي تتعامل معه، فهم يتشابهون بطيبتهم وتسامحهم واحترامهم للآخرين، وهذا نتاج ثقافة التعايش السائدة في المنطقة، وهي ميزة ينفرد بها المجتمع الحساوي عن غيره، لذلك بقي المجتمع الحساوي بعيدا عن المؤثرات الخارجية، ولم تكن بيئته يوما ما صالحة للشحن الطائفي، وليس فيه موطئ قدم للصراعات المذهبية المقيتة، هذا الارث الاجتماعي الطيب حافظ عليه الجميع في الحسا وعضوا عليه بالنواجذ فهو مطلب وغاية، ولا شك أن اللحمة الوطنية والتعايش السلمي هو هاجس تعمل على ترسيخه وإبرازه النخب الدينية والثقافية، في منطقة ولادة للأدباء والشعراء والمبدعين واحدى منارات العلم والثقافة في وطننا.