"الديوانية" مكان تجتمع فيه شريحة معينة في مكان محدد وبتوقيت معين، وهذا النمط من التجمع هو شكل ثقافي يختلف مضمونه باختلاف آلية التجمع وطبيعة الحضور ونوع المحتوى المتداول. وتنشط هذه الديوانيات بشكل كبير في المجتمع الكويتي الذي يقع في الشرق الشمالي من بلادنا، وهذه الديوانيات تعتبر شكلاً مهماً في تكوينات المشهد الكويتي. في السعودية طرأت عدة تحولات على آلية التجمع بين الناس، فكانت المجالس التقليدية تحتويهم في المنازل، ثم هاجروا إلى ملاحق خارجية تنفصل عن المنزل ولا تخرج عن سوره، وكانت هناك هجرة أخرى إلى الاستراحات بعد أن تعب بعضهم من الجلسات البرية التي ضاق مزاج الناس عنها. وبعضهم هجر الاستراحات إلى شقق صغيرة تتناسب مع الأجواء والمزاج المشترك للشلة المتقوقعة داخل هذه المساحة المحدودة، والمقاهي المتناثرة في الشوارع كانت ملاذاً يومياً لآخرين. "المحتوى" المتداول في هذه التجمعات يختلف باختلاف نوعية "الربع" المجتمعين، فلعبة البلوت الشهيرة تأخذ وقتاً كبيراً لدى شريحة عريضة من السعوديين، ومتابعة مباريات كرة القدم والأفلام تقتطع وقتاً كبيراً خاصة بين فئات الشباب. والسواليف العامة والتعليق على الأحداث القائمة تشكل كعكة مهمة في هذه الجلسات، والمخزون الكبير الذي يتم تحديثه يومياً من وسائل التواصل الاجتماعي يعد رافداً مهماً للمتسامرين بين زوايا هذه التجمعات. "الحضور" في الغالب تحكمهم الثقافة المغلقة بحيث تكون شبه حصرية للأعضاء باستثناء زيارات محدودة وعابرة لأشخاص مقبولين عند الأعم الأغلب. الديوانيات العامة تمتلك ثقافة مفتوحة بعكس ما ذكر سلفاً، وقد يكون أساسها تجمع "أهل الكار" من ذوي المهنة الواحدة ( تجار - أكاديميين - إعلاميين .. الخ ). وقد يكون تجمعهم القرب من صاحب الديوانية، وهذه الديوانيات المفتوحة تحاول استضافة شخصية من خارج محيطها ليدلي بدلوه وينفتح الحوار معه في مجال تخصصه. "التسمية" لهذه الديوانيات أخذت أنماطاً مختلفة، فأحياناً تسمى صالونا، وكذلك منتدى أو ملتقى، وأحياناً تأخذ أحد أسماء الأسبوع كاثنينية وأحدية وسبتية وثلوثية ونحوها، وأحياناً ترتبط باسم مؤسسها أو باسم العائلة التي تقام في منزلها الديوانية. الديوانيات تعد شكلاً حضارياً لممارسات المجتمع المدني، وتساهم في تعزيز قيم "الحوار" بين أفراد المجتمع، وتستوعب النقاش حول المفاهيم والآراء والمواقف في "الهواء الطلق" الذي يبعدها عن التأكسد والتعفن. هذا الشكل من التجمع هو بنية تحتية مهمة للشعب السعودي، فالنوادي الاجتماعية والمنتديات الثقافية والصالونات السياسية والملتقيات الفكرية رئة صحية يتنفس بها المجتمع في مضمار الوعي والتقدم. رواد المجتمع من العلماء والوجهاء والأثرياء والمثقفين عليهم مسؤولية اجتماعية كبيرة لإحياء هذه الديوانيات وتبنيها، واليوم في المنطقة الشرقية تتجمع كوكبة من نخبة المنطقة لإصدار النسخة الجديدة من منتدى الفوزان الثقافي الذي يعمل القائمون عليه ليكون من أهم الديوانيات في المشهدين السعودي والخليجي.