المتداول المعروف باسم حوت لندن تسبب في خسارة 6،2 مليار دولار على الأقل لبنك جيه بي مورجان تشيس في عام 2012، وهذا مبلغ ضخم، لكنه لن يعود مبلغاً ضخماً إذا علمتَ أن هذا لم يوقف البنك على تحقيق أرباح قياسية مقدارها 21،3 مليار دولار في العام نفسه، لكن جاء الألم من مصادر أخرى: هناك متداولان سابقان يواجهان تهماً جنائياً، واعترف البنك أنه خالف قوانين الأوراق المالية، ووافق على دفع غرامات تزيد على مليار دولار، كما كتبت لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الأمريكي تقريراً مليئاً بالانتقادات الحادة، فضلاً عن أن جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي للبنك، تم تقليص راتبه إلى النصف (من 23 مليون دولار في عام 2011 إلى 11،5 مليون دولار في عام 2012). تعرضت قضية حوت لندن لردود فعل واسعة تفوق رد الفعل على المخالفات والعثرات التي وقعت بها البنوك منذ الأزمة المالية لعام 2008، وذلك جزئياً بسبب مكانة دايمون التي كانت أشبه بنجوم السينما، لكن الأهم من ذلك أنها أثارت سؤالين مثيرين للقلق: ما الذي يجعلنا نعلم أن البنوك لا تزال مدمنة على المخاطر؟ وماذا لو لم يتحسن أداء الأجهزة التنظيمية في وضع يدها على المخالفات؟. في أكتوبر 2014 تركزت الأنظار مرة أخرى على قضية حوت لندن، حين أصدر المفتش العام في الاحتياطي الفدرالي الأمريكي تقريراً يقول فيه: إن الأجهزة التنظيمية فشلت وأخفقت في الإشراف الإداري على قسم جيه بي مورجان في لندن، وهو القسم الذي وقعت فيه الخسائر، وقال التقرير: إن الفاحصين في نيويورك عثروا على المخاطر في قسم التداول في لندن في وقت مبكر يعود إلى عام 2008، لكنهم لم يقوموا أبداً بمتابعة الموضوع، كذلك لم يكن هناك تنسيق مناسب مع الأجهزة التنظيمية الأخرى. على الجانب الجنائي، لم توجه تهم إلى الحوت نفسه، وهو برونو إكسيل (الذي يتعاون الآن مع جهاز التحقيق وممثلي النائب العام)، لكن في عام 2013 أدين الرئيس السابق لإكسيل مع متداول صغير، مع العلم أن التهم لم تكن حول التداولات نفسها، يقول النائب العام الأمريكي: إن هذين الشخصين ارتكبا التدليس في الأوراق المالية من خلال إخفاء النطاق الحقيقي للخسائر عن إدارة البنك، يقول المحامون -الذين يدافعون عن الرجلين اللذين لا يزالان في أوروبا- إنهما بريئان. وتم انتقاد دايمون في تقرير مجلس الشيوخ، الذي قال: إن البنك ضلل المساهمين في الوقت الذي كانت فيه الخسائر تتراكم، وفي أكتوبر 2013 قال البنك: إنه سجل أول خسارة فصلية في ظل دايمون، كما أن النتائج كانت مثقلة بمبلغ 7،2 مليار دولار على شكل نفقات قانونية وقضائية، وافق البنك على تسوية بقيمة 100 مليون دولار مع لجنة التداول في العقود الآجلة، التي وجدت أن البنك كان يطبق استراتيجية تداول متهورة. من جانب، يمكن القول إن ما فعله إكسيل وزملاؤه كان نفس الحكاية القديمة، أي مضاعفة الرهانات بعد تسجيل الخسارة، والدخول في رهانات أكبر وأكبر، لكن كان هناك خلل في أمور أكثر من ذلك بكثير، فقد كانوا يعملون في جزء من البنك، يدعى مكتب الاستثمار الرئيسي، الذي كان هدفه هو تقليص مستوى المخاطر بالنسبة إلى البنك، لكن الذي حدث بدلاً من ذلك هو أن كبير الإداريين الاستثماريين استخدم مبلغ ال350 مليار دولار الموجود بحوزته ليصبح صانع أموال (ومعظم الاستثمارات جاءت من ودائع تتمتع بتأمين الحكومة الفدرالية)، وكان مكتب لندن يركز على تداولات المشتقات المعقدة، والتي لم تكن لها علاقة بالتحوط من المخاطر، على سبيل المثال، من خلال إحدى التداولات في عام 2011، استطاع إكسيل أن يُكسِب البنك 400 مليون دولار، لكن بدأت المتاعب في أوائل عام 2012، حين قرر البنك تقليص المخاطر في محفظة عقود المبادلة في لندن، من خلال القيام بالمزيد من الرهانات المقابلة، وفي الوقت الذي أخذت تتكشف فيه هذه الاستراتيجية وتتعرض للمشاكل، ارتفعت تعاملات إكسيل إلى درجة كبيرة بحيث إنها أحدثت الاضطراب في الأسواق غير المغطاة التي كانت التداولات فيها ضعيفة، وهذا هو السبب في إطلاق اسم الحوت عليه، وما جعل من تداولات فريقه -التي كان من الصعب تفكيكها- هدفاً لصناديق التحوط، وبعد انهيار التداولات، وجد المنظمون أن زملاء إكسيل كانوا يحتفظون بمجموعتين من الدفاتر، من أجل تقليص الحجم المتوقع للخسائر، وهو اكتشاف أدى إلى إثارة التحقيقات في بريطانيا والولايات المتحدة. الغريب أنه حين بدأت الأخبار تتوارد حول الموضوع، كان رد دايمون أنها «زوبعة في فنجان»، لكن كما جاء في تقرير لجنة مجلس الشيوخ، فإن العلة لم تكن في المتداول المارق، وإنما كان هناك فشل منهجي أوسع، ذلك أن الحدود القصوى للمخاطر، على سبيل المثال، ثم اختراقها أكثر من 300 مرة قبل أن يتحول البنك إلى معادلة أكثر ليونة حول تقييم المخاطر، وقد أيد تقرير الاحتياطي الفدرالي أن الأمر يتعلق بقضايا أعمق، من حيث إخفاق البنك في تحديد الأولويات، وفقدان المعرفة المؤسسية، والإخفاق في التنسيق بين الوكالات، يتخوف المنتقدون من أن ظاهرة حوت لندن هي دلالة ليس فقط على أن البنوك الضخمة مثل جيه مورجان ليست فقط أكبر من أن تفشل، وإنما أيضاً كبيرة للغاية على نحو يجعل من غير الممكن إدارتها وإخضاعها للقوانين التنظيمية.