تواصلت المعارك بين الجيش الوطني الليبي وأنصار الشريعة في جامعة بنغازي، في وقت بدأ الجيش الوطني الليبي اقتحام ورشفانة قرب طرابلس. وقتل 23 شخصاً على الأقل في بنغازي، الجمعة، في معارك عنيفة وهجمات، إحداها انتحارية، لترتفع بذلك حصيلة الهجوم الذي يشنه منذ الأربعاء، اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الميليشيات الإسلامية في المدينة الى 57 قتيلاً على الأقل. وقتل ثلاثة أشخاص وأصيب رابع بجروح بالغة في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف، ليل الجمعة، حاجزاً أمنياً يقيمه شبان مسلحون موالون للجيش وقوات حفتر في منطقة بوهديمة في وسط بنغازي، كما أفاد مصدر طبي وشهود عيان. وأوضح شهود عيان: إن النقطة الأمنية استهدفتها "عملية انتحارية بسيارة مفخخة"، فيما قال مسؤول في مركز بنغازي الطبي: إن "أربع جثث بينها أشلاء لانتحاري وصلت للمركز ،ليل الجمعة، جراء استهداف الحاجز الأمني"، لافتاً إلى أن "جريحاً في حالة خطرة أدخل لغرفة العمليات وقد بترت ساقاه". وقال أحد شهود العيان: إن "سيارة مسرعة جاءت عبر طريق سريع وانفجرت بعد أن اقتربت من النقطة الأمنية رغم أن المسلحين في النقطة تعاملوا معها لكن دون جدوى". وعقب الهجوم أغلق سكان منطقة بوهديمة والمناطق المجاورة لها الطريق الدائري الثالث السريع، وهو من أكبر الطرق الحيوية في المدينة وأكثرها ازدحاماً كون العملية وقعت أسفل الجسر المؤدي منه إلى منطقة بوهديمة. ومنذ الأربعاء، هذه ثالث عملية انتحارية تستهدف الجيش ونقاطاً أمنية، لكن إحداها أحبط، الخميس، بقتل الانتحاري قبل أن يصل إلى مبتغاه في مقر الكتيبة 21 التابعة للقوات الخاصة في الجيش بوسط بنغازي. وفي الأثناء دارت معارك عنيفة في منطقتي المساكن وبوعطني إضافة إلى منطقة الليثي على الطريق المؤدية لمطار بنينا جنوب شرق المدينة. وبحسب مراسل لوكالة فرانس برس، سمع دوي انفجارات أسلحة ثقيلة يتبعها أزيز للرصاص بشكل متواصل يهز أرجاء المنطقة والمناطق المجاورة. وتأتي العملية الانتحارية هذه بحسب عدد من الإسلاميين انتقاماً لمقتل رجل وثلاثة من أبنائه يتهمون بمناصرة الإسلاميين، بعد دخول عدة شبان من منطقة بوهديمة البيت وقتلهم جميعاً. ومساء الجمعة، لقي حمزة صالح العقوري، وهو أحد أفراد مديرية أمن بنغازي السابقين حتفه على أيدي مسلحين مجهولين في منطقة الماجوري بعد أن تم استيقافه في نقطة تفتيش وهمية، بحسب المصدر الطبي. وخلال النهار قال مصدر في مركز بنغازي الطبي: إن "18 شخصاً قتلوا الجمعة خلال اشتباكات عنيفة للجيش ومؤيديه من المواطنين المسلحين مع الإسلاميين في منطقة الماجوري وسط بنغازي وأعمال قتل متفرقة". وقتل، الأربعاء والخميس، ما لا يقل عن 34 شخصاً في الهجوم الجديد لقوات اللواء حفتر مدعومة بالجيش، لكن اشتباكات الجمعة كانت بين الأعنف في منطقة مزدحمة بالسكان. وأمام ضعف الحكومة الانتقالية، شن اللواء حفتر الذي شارك في الثورة على القذافي، هجوماً في مايو على الميليشيات التي يصفها بأنها "إرهابية". واتهمت السلطات الانتقالية اللواء حفتر حينها بمحاولة "انقلاب" لكنها غيرت موقفها لا سيما بعد أن نال اللواء المتقاعد تأييد عدة وحدات من الجيش. تحذير وليل الجمعة، حذرت جماعة أنصار الشريعة في بيان المواطنين المسلحين المساندين للجيش بالقول: "يا صحوات العمالة وذيول النذالة من عديمي الكرامة، إن الحرب قد حمي وطيسها واشتدت، فنحذركم و ننذركم أننا لن نسكت عن الاعتداءات على البيوت والأعراض". وأضافت: "ليعلم الجميع أن القتال قد بدأ ولن ينتهي إلا بعد أن تستأصل هذه الجرثومة الخبيثة من المدينة، فإنها كالسرطان ولن ينفع معه إلا اقتلاعه كاملاً إلا من جاء منهم تائباً قبل القدرة عليه". والجمعة، قالت ديبورا جونز سفيرة الولاياتالمتحدة لدى ليبيا، في سلسلة تغريدات لها عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إن "مواجهة المنظمات الإرهابية ضرورة، وإنه يجب مواجهتها من قبل جيش نظامي تحت سيطرة سلطة مركزية ديمقراطية". لكن وفقاً للمتحدث باسم رئاسة الأركان العامة للجيش العقيد أحمد المسماري فإن الجيش النظامي يدعم العمليات العسكرية التي يقوم بها حفتر في بنغازي وغيرها من المدن. وقال المسماري: إنه "عقب تعيين رئيس الأركان العامة للجيش اللواء عبدالرازق الناظوري من قبل البرلمان الليبي في سبتمبر الماضي، باتت ما تعرف بعملية الكرامة إحدى عمليات الجيش الليبي النظامي"، كما أعلنت الحكومة المؤقتة دعمها للعمليات. وقالت جونز في تغريدة أخرى: "إننا ندين الهجوم المتواصل لأنصار الشريعة ضد الشعب الليبي"، لافتة إلى أن بلادها "تدين بشدة العنف المتواصل في ليبيا، وتدعو إلى وقف فوري لها للسماح باستمرار العملية التي تقودها الأممالمتحدة (...) وأنه لا يوجد حل عسكري". وأشارت إلى أن واشنطن "صنفت أنصار الشريعة في بنغازي ودرنة، كمنظمات إرهابية في يناير 2014"، وهو ما توافقت معه السلطات الليبية الانتقالية بعدئذ. عناصر متشددة وكان برناردينو ليون المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا حذر الخميس، من "تواجد عناصر متشددة في ليبيا". وقال ليون في لقاء تلفزيوني: إن "هناك تقارير تفيد بأن المجموعات التابعة لداعش بدأت تتحرك في منطقة الساحل الإفريقي ومن بينها ليبيا، لذا علينا العمل على عزلها ومحاربتها، وهذا سبب آخر وجيه يدفع الأطراف المتنازعة في ليبيا إلى الاتفاق". ومنذ ساعات الصباح الأولى ليوم الجمعة، بدأت الاشتباكات في منطقة الماجوري، حيث يسكن محمد الزهاوي القيادي في جماعة أنصار الشريعة، وعدد كبير من مؤيديه، مع مواطنين مسلحين يؤيدون الجيش وقوات حفتر. ووفقاً لشهود عيان، فإن أنواعاً مختلفة من الأسلحة استخدمت في الاشتباكات وحرب شوارع استمرت طوال اليوم، في حين بدا السكان عالقين. غارات جوية وفي مناطق أخرى، شنت مروحيات غارات جوية على مناطق الليثي والمساكن وبوعطني في جنوب شرق المدينة على الطريق المؤدية لمطار بنينا بنغازي، حيث يتمركز الجيش. وكان حفتر أعرب، الجمعة، عبر "تلفزيون الكرامة" الموالي له عن"رضاه بنتائج معارك بنغازي"، قائلاً: إن "النصر بات قريباً، وإن اللحمة الوطنية بين الشعب والجيش التي جسدها شباب بنغازي تسرع من وتيرته". ويشارك مدنيون مسلحون إلى جانب قوات حفتر في هجومها الجديد لاستعادة بنغازي التي سقطت في يوليو بأيدي ميليشيات إسلامية بينهم المتشددون في جماعة أنصار الشريعة. لكن نادراً ما يعلن الإسلاميون عن خسائرهم. وقد أعلنت قوات خليفة حفتر، أنها سيطرت، الأربعاء، على مقر كتيبة "17 فبراير" الإسلامية الواقع في مدخل بنغازي الغربي. لكن مصدراً عسكرياً أكد، الخميس، أن الجيش "اضطر لاحقاً إلى الانسحاب من هذه القاعدة العسكرية بعد أن استهدفها المقاتلون الإسلاميون بقذائف صاروخية". وأضاف: "تم في اللحظة الأخيرة إفشال عملية انتحارية ضد نقطة تفتيش للجيش قرب معسكر الكتيبة 21 التابعة للقوات الخاصة في منطقة طابلينوا، غرب بنغازي". وأكد "مقتل السائق قبل أن يتمكن من تفجير السيارة المفخخة". كما اندلعت، الخميس، اشتباكات عنيفة بين الكتيبة 21 والمسلحين المساندين لها، والجماعات الإسلامية في محيط منطقة قاريونس والقوارشة عند المدخل الغربي لبنغازي. وقال شهود: إن اشتباكات عنيفة اندلعت في محيط منطقة قاريونس والقوارشة في حين تمكن سكان من الخروج عبر ممر آمن بعد توقف الاشتباكات مساء. ممر آمن وكان الهلال الأحمر الليبي طالب، الخميس، بتوفير ممر آمن لإخراج العالقين، وقالت مصادر محلية: إن أبرز المغادرين لموقع الاشتباكات هم النازحون من بلدة تاورغاء الذين يقطنون مخيماً من الصفيح في تلك المنطقة. وتاورغاء تقع على بعد 30 كلم شرق مدينة مصراتة غرب ليبيا تم تهجير سكانها لاتهامهم بمساندة نظام معمر القذافي خلال ثورة 17 فبراير 2011. وحتى الجمعة، لم تنتشر وحدات حفتر داخل المدينة كما كان متوقعاً، حيث لم تنزل قواته من مواقع تمركزها في مرتفعات الرجمة الواقعة في الضاحية الجنوبيةالشرقية للمدينة. وأمام هذا التأخر بدأ الإسلاميون باستهداف المواطنين المسلحين الذين يساندون قوات حفتر سواء باعتقالهم أو قتلهم، وفقاً لمسؤول أمني طلب عدم ذكر اسمه. وما زالت الحركة في المدينة شبه منعدمة، فيما تشهد الدوائر الحكومية والخاصة شللاً تاماً بسبب الاشتباكات. وبنغازي الأكثر اضطراباً في بلد تعمه الفوضى وتسيطر عليه الميليشيات منذ الإطاحة بنظام القذافي بعد نزاع استمر ثمانية أشهر في 2011.