بعد دخول الحوثيين إلى صنعاء، قبل أسبوعين من هذا التاريخ، وفرض شروطهم على القيادة اليمنية، جاء دور تنظيم القاعدة، الذي اجتاح أجزاء كبيرة من العاصمة. وكان ذلك أمرا متوقعا، فما دامت الأبواب قد فتحت بسهولة، "لأنصار الله"، فما الذي يمنع من أن تفتح لغيرهم. وهكذا تنفرط السبحة، فيتناوب المتطرفون والإرهابيون على اقتحام المدينة، وتتم استباحة مختلف مناطق اليمن السعيد. لقد كشفت الأحداث الأخيرة، أن معضلة اليمن لا تتمثل فقط في وصول الحوثيين لقلب العاصمة، واستيلائهم على فرقة عسكرية، لم تصمد طويلا أمام هجومهم، ولكن أيضا في وجود بنيان نخره العجز والفساد، وغدا عاجزا عن فرض الأمن والاستقرار، حتى في حدود العاصمة التي تشغل موقعا كبيرا في الوجدان اليمني والعربي، على السواء. لقد نقل استيلاء الحوثيين على صنعاء، الصراع في اليمن، من طابعه القبلي المألوف، منذ زمن طويل، إلى طابع أشد خطورة وفتكا، هو الطابع الطائفي. وكانت ملامح ذلك قد بدأت في التعبير عن ذاتها، إثر احتدام صراع الحوثيين، المدعومين من طهران، مع حزب الإصلاح، الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين. وكأن المطلوب أن تكون اليمن، كما كان العراق ولا يزال، مسرحا لحروب بالوكالة بين إيران وتركيا. لم يكن لجماعة الإخوان المسلمين، في السابق حضور قوي باليمن. لكن التحاق بعض أفراد عائلة الأحمر، أضاف ثقلا قبليا إلى الجماعة. فعائلة الأحمر، هي عائلة عريقة، عرفت بمناوأتها للنظام الإمامي. وكان زعيم القبيلة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر يحتفظ، حتى وفاته بعلاقة متينة مع المملكة وبلدان الخليج العربي، لكن من ورثوه من أبنائه، لم يكونوا يملكون حصافته وحكمته وبصيرته. الصراع إذن، له امتداداته الإقليمية، وهو استمرار لمخطط إيران، توسيع عمقها الاستراتيجي في الجزيرة العربية، ليصل إلى مضيق باب المندب، بضفتيه جنوبا. وهي استراتيجية أنجزت طهران كثيرا منها، أمام ضعف المناعة السياسية العربية، والعجز عن لجم طموحاتها. ليست هناك مخاطر جدية ومباشرة الآن، على أمن المملكة والخليج. فليس بإمكان الحوثيين، أن يوسعوا أنشطتهم إقليميا في هذه المرحلة. فقد كانت قوتهم باستمرار بانكفائهم، في حدودهم التاريخية، والتحصن بجبال صعدة. أما وأنهم نزلوا إلى الوادي، والغرق في متاهات السياسة اليمنية، فإن ذلك سيكون أول مسمار يدق في إمارتهم. فما حدث في صنعاء، لم يكن نتيجة قوتهم العسكرية، بل تعبيرا عن فشل الحكومة اليمنية، في التصدي لهم، وتحالف الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والمجموعات العسكرية الموالية له معهم. فلم يحدث قتال حقيقي، بينهم وبين قوات الحكومة، التي يفترض أن تكون متواجدة وقادرة على حماية العاصمة. كان هناك تخاذل وفشل في المواجهة، ولم يكن هناك قتال، بالمعنى الحقيقي، لكي تمتحن قوة الحوثيين، في مواجهة القوات الحكومية. وإذن فإن ما يحتاجه اليمن، للخروج من أزمته الراهنة، هو دولة مؤسسات، قادرة على تمثيل مختلف مكونات المجتمع اليمني. يسند هذه الدولة جيش قوي، بعقيدة وطنية. ولا يتشكل على أسس قبلية أو طائفية. هذا المطلب الوطني، لا يقصد منه مواجهة الحوثيين فقط، بل كل من يتطاول على أمن وسلامة واستقرار اليمن. ومهددات الوحدة اليمنية. وما لم يتحقق ذلك فليس أمام اليمن سوى المزيد من حروب القبائل والطوائف.