كيف تناولت «الأفلام الوثائقية» مواضيع القرآن الكريم؟ وهل اختلفت رؤيتها ما بين المُنتج العربي والمنتج الغربي؟ إذا ابتعدنا عن الأفلام الوثائقية العربية، وتحولنا للأفلام الوثائقية العالمية للقرآن الكريم، فسنجد أنفسنا أمام اتجاهات ثقافية، وأطروحات فكرية، وجماليات فنية متعددة، يحتويها عدد هائل من الأسئلة الفكرية والحضارية التي تناقش مفهوم (المقدس) من خلال (القرآن الكريم)، وتناقش المكون الفكري للشعوب الإسلامية وعلاقتهم بغيرهم من الشعوب العالمية. ومن هنا تكمن إشكالية الفكرة، فتناول «القرآن الكريم» وثائقياً عند العرب المسلمين يختلف اختلافاً كبيراً عند غيرهم من غير المسلمين، وخاصة في مجال «الرؤية»، إذ إن أغلب وثائقيات القرآن الكريم العربية تحاول تقديمه كما هو في نظر الشريعة الإسلامية، أي كتاب هداية وإرشاد وتشريع، أما الرؤية الأخرى فتحاول أن تتناول وثائقيات القرآن الكريم من منطلقات فكرية واقعية، وتحاول الربط بين واقع المسلمين في العبادات والمعاملات مع مجمل التغيرات الثقافية العالمية. إن اختلافات الرؤية حول القرآن الكريم وثائقياً في المُنتج العالمي هي أكثر جرأة في طرح السؤال الفكري، وأقل تناولاً في مسألة البعد البصري فنياً، بينما رؤية المسلمين في وثائقيات القرآن هي أقل تناولاً للأسئلة وأكثر اعتناءً بالتقنية البصرية ودهشة الصورة، وهذا يحمل في مجمله نوعيتين من الرؤية هما: الرؤية الشكلية، والرؤية الموضوعية. وفي هذا السياق يطرأ سؤال: ألا يمكن للمسلمين أن يطرحوا نفس الأسئلة والمشكلات التي طرحها المنتجون الغربيون؟ ما تبعات الصراحة الفكرية في تناول المنتجين المسلمين لمضامين القرآن وثائقياً؟ هل من محاذير واضحة في تغييب الجانب الفكري والصراع العالمي المعاصر من رؤية المنتجين المسلمين لوثائقيات القرآن الكريم؟ هل القرآن الكريم نفسه يمنع أن يمسه أحد بتساؤل حول ما يمكن -جدلاً- أن يظهر فيه تناقض، بينما هو من صميم موضوع السؤال الإيماني؟ يبدو أن الثقافة العربية تجد تحرجاً في مناقشة موضوعات القرآن الكريم التي تخص الواقع، وخاصة تلك المواضيع التي كثر الاجتهاد حولها، كقضايا المرأة والحجاب والعنف والجهاد والاتجاهات والأحزاب الدينية، وأقصد من مناقشتها: أي تلمس مدى فاعليتها وحيويتها بوصفها تستمد القرآن الكريم مصدراً لانطلاقتها في الواقع المعاصر، والنظر لها من خلال رؤية محايدة واضحة، والوصول لنتيجة: هل بالفعل مسارات الواقع العربي هي ما نص عليه القرآن الكريم صراحةً، أم هي نتاج اجتهادات وتأويلات مختلفة؟ وفي ظني أن مفهوم السلطة الفكرية -التي تتمتع بها بعض المؤسسات الدينية والإعلامية ومراجع الفتوى- لا تخول لخطاب الثقافة العربية ومنه الأفلام الوثائقية تناول هذا الموضوع بكامل الصراحة والشفافية، ولذلك فإن منتج الأفلام الوثائقية القرآنية يتلمس مواضيع القرآن الكريم العامة كالعبادات والأسرار اللغوية وقضايا الإعجاز العلمي وغيرها، وهذا على النقيض من منتج الأفلام الوثائقية العالمية حول القرآن الكريم، كما أن التوثيق القرآني في المنتج العربي قد انحصر في الأماكن الشعبية البسيطة الفقيرة، ولم ينفتح على القرآن في القصور والبلاطات والمدن المتقدمة ومجالس الخلفاء والسلاطين؟ بينما انفتحت الرؤية الغربية لوثائقيات القرآن الكريم فتناولت: الإنسان والإسلام والحداثة والاتجاهات والمرأة والعنف والسياسة والإسلام السياسي، في ضوء القرآن الكريم، وإفرازات الواقع العالمي. * باحث في الدراسات الثقافية