: ما زال الحديث مستمرا عن الدراسة وأجوائها وما يحيط بها، وهل هناك أجواء أجمل من الكلام عن القلم والكتاب، واللذين يضمهما إلى صدره كل طالب وطالبة، فهما كالشمس والقمر والنهار والليل، ولكن مقالي اليوم مخصص إلى فئة أخرى هم يعيشون بين الطلاب وبهم، ونحن نجلهم ونقدرهم على ما يقومون به من جهود مضنية لغرس الفكر في عقول الطلاب ألا وهم المعلمون والمعلمات. قد يعتاد البعض منهم على مهنة التدريس فتصبح شبه روتين ومملة! وهذا أمر طبيعي عندما نتعامل معها على أنها مجرد وظيفة مثل غيرها ولكن الحقيقة مختلفة تماما، حين يعي كل معلم ومعلمة أنهم في الواقع أهم من المهندسين والأطباء وغيرهم، وذلك لأن بين أيديهم عقولا خاما جاهزة للبرمجة!. يؤكد ذلك المؤلف بيتر بافيت (ابن الملياردير الشهير وارن بافيت) فيقول «التدريس مهنة تتصل بحياة الكثير من الناس، وهي أكثر أهمية من أية مهنة أخرى، فلا يوجد مهنة لها تأثير أكبر في تشكيل الفرد والجماعة منها». كل واحد من المعلمين والمعلمات عنده الفرصة ليضع بصمته ويحدث الفارق ليس على المستوى الفردي فقط، بل يمكن أن يغير مجرى أحداث في التاريخ، وسأثبت لكم ذلك من خلال هذا المقال. هل تعلم أن من فتح القسطنطينية كان المعلم الشيخ آق شمس الدين، فهو الذي زرع الفكرة في رأس الطالب الذي نفذها، وأصبح فيما بعد يلقب بالسلطان محمد الفاتح. هل تعلم أن فكرة كتاب للحديث يحمل بين دفتيه فقط الحديث الصحيح كانت قد انطلقت شرارتها من معلم وشيخ اسمه اسحاق بن راهويه قال للطلاب في مجلس العلم: ألا ليت من ينشط لجمع الحديث الصحيح، فعلقت تلك الفكرة في الرأس الطالب الشاب الذي يعرفه العالم لآن بأنه هو مؤلف كتاب صحيح البخاري. هل تعلم أن فكرة نظرية الكم الفيزيائية بدأت من العالم الفيزيائي الدنماركي نيلس بور ولكنه زرعها في رأس الطالب الألماني هيزنبرغ، والتي كان من نتائجها اختراع الميكروسكوب الإلكتروني وأشعة الليزر والترانزستور. إن عقول الطلاب هي مواد خام تحتاج الى معلم يملك همّا وهمة، ولمسة ساحرة كالفنان ليشكل لنا لوحات ابداعية في عقول الطلبة. كل معلم ومعلمة يملك الفرصة في كل سنة دراسية أن يكون له هدف في التركيز على زراعة والهام فكرة واحدة فقط لا أكثر! في رأس الطالب والطالبة، وسيصبح منا أكيد في المستقبل القريب علماء فطاحلة في الفيزياء والكيمياء والطب والرياضيات وغيرها. المعلمون والمعلمات يملكون فرصا جبارة في التأثير، وقد ذكر الأديب الشيخ علي الطنطاوي -يرحمه الله- في عدة مواضع من كتبه أنه تخرج على يديه أطباء وأساتذة ووزراء ورؤساء دول كلهم كان له تأثير عليهم، وكأني أنظر إليه مفتخرا بما صنع، ويحق له ذلك. أبعد كل هذا، هل ما زلنا نشك أن معلما واحدا لا يملك أن يحدث الفرق في المجتمع والتاريخ ؟ بلى لأنه يملك جيوشا من العقول البشرية كلها له أذان صاغية تتأثر بما يقول ويفعل، ويستطيع أن يشكل أفكارها كيف شاء. إن كل طالب وطالبة هو في حد ذاته مشروع إبداعي ينتظر النور لتشرق أغصانه.