للمجتمع سلوكيات يعرّف من خلالها عن نفسه، فتظهر غالبا بين تعاملات أفراده وبالتالي تخلق صورة عنه نتناقلها جميعا فإن كان الصدق في التعامل أطلقنا على ذلك المجتمع بالصادق وإن كان العكس، قلنا العكس وهكذا. صديق لي هاوٍ للطيران، أثناء سفره استأجر طائرة وبعد أن أعادها طلب الفاتورة ليدفع الحساب فقال له صاحبها، إذهب الآن وسنرسل لك الفاتورة عبر بريدك الإلكتروني ثم سدد لاحقا ببطاقتك الائتمانية، يقول لم أطلب منه أي شيء وكنت أنوي دفع المبلغ حالا، ولكن ثقافة المجتمع لديهم هي الصدق والأمانة وإحسان الظن، رغم أنه مجتمع لم ينعم بنعمة الإسلام كما ننعم نحن ولله الحمد والمنة. شخصيا قابلت نفس الموقف حيث كنت في أحد المقاهي، وحين قررت المغادرة جاءني اتصال وانشغلت به حتى خرجت من المقهى، وقبل وصولي للفندق تذكرت اني لم أدفع الحساب، عدت فورا إلى نفس المقهى واعتذرت من صاحبته بالنسيان، فقالت: رأيتك تتحدث بالهاتف ولم أرغب في ازعاجك وأجزم تماما أنك ستأتي اليوم أو غدا، فقلت لها أنا لست مقيما هنا أنا مجرد سائح وسأذهب فقالت، أجزم أنك نسيت وبالتالي سأسامحك فلو أنك تذكرت بالتأكيد ستدفع. دخلت إلى متجر كبير ووجدت به عددا من المحاسبين، وأثناء وقوفي جاءني أحد المسؤولين في المتجر، وقال: لماذا تقف هنا ومعك أقل من خمسة أغراض؟ فقلت: وماذا علي فعله في هذه الحالة؟ قال: تذهب إلى أجهزة المحاسبة الذاتية، فتحاسب عن نفسك طالما أنك تحمل خمسة أغراض فقط أو أقل، وبالفعل حاسبت القيمة ودفعتها، ولم يأت أحد أبدا ليطابق الأغراض بالقيمة فكانت الثقة مقدمة تماما، فقلت له ماذا لو أخذت خمسة أغراض وحاسبت عن ثلاثة!! كيف ستعرفون، قال لم يفعلها أحد من قبل!. قد يقول قائل هذا كلام عام فهناك المجرمون واللصوص وقطاع الطرق، وأقول نعم كلامك صحيح ولكن هذه شواذ، ولكن الصبغة العامة هي الصدق والثقة. تذكرت حينها فواتيرنا في يوم من الأيام، وعبارة سدد أو نقطع عنك الخدمة، تذكرت كثيرا حينما يقال: ادفع أولا ثم نقدم لك الخدمة، تذكرت مرة في وكالة للدعاية والإعلان، حينما صمم لي المصمم شعارا طلب مني دفعة مقدمة بمقدار 85 % من المبلغ، وحينما قلت له "وش بقى؟ خذ المبلغ كله أحسن" قال "وش يضمن لي حقي؟" السؤال المهم هنا، من حق كل إنسان أن يضمن حقه، ولكن لماذا نقدم سوء الظن ونفترض عدم الثقة وعدم الوفاء على الأقل؟ لماذا لا نكون في المنتصف؟ لا هذا ولا ذاك على أقل تقدير. حسن الظن من تعاليم ديننا الحنيف، من جربه فليعلم أنه أولا سيحصل على الأجر وراحة البال، ففي ذلك راحة كبيرة من التفكير والاستنتاج والتوقع، فقط أحسن الظن وابذل الاسباب وتوكل على الله، وانعم براحة حُرم منها غيرك الكثير، فمن تأخر فقل لعل حصل له ظرف، ومن لم يف بوعده إليك فقل لعله يفي به غدا، جربته شخصيا وأحسست اني في راحة لم أعلمها، وفوق ذلك أجر من الله لحسن ظنك بأخيك المسلم. بإذن الله ألقاكم السبت المقبل في أمان الله. ماجستير إدارة الأعمال – جامعة الملك فهد للبترول والمعادن