دائماً أرددُ أن هناك أخبارا يجب ألا تمر علينا مرور الكرام بل يجب أن نتوقف عندها ونسلط الضوء عليها ونناقشها لكي يتم اتخاذ الإجراء المناسب وضمان عدم تكرارها. ان أرواح المواطنين والمقيمين على تراب هذا الوطن غالية ينبغي الحفاظ عليها واذا حصل أي تهاون أو تقصير في صون هذه الارواح فينبغي التحقيق في ذلك وايقاع العقوبة في حق المتسبب إذا ثبت ذلك. في الأسبوع الماضي نقلت لنا صحفنا الالكترونية خبر «إصابة 13 شخصاً بحالات إغماء وضربات شمس بمركز تدريب الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية وقال المتحدث الرسمي باسم هيئة الهلال الأحمر السعودي بالمنطقة الشرقية ان فِرَق الإسعاف قَدّمَت العلاج الأوليّ ل 13 شخصاً، ونُقِلت أربع حالات إلى المستشفيات؛ اثنتان إلى مستشفى الخُبر التعليمي وحالتان لمستشفى الدمام المركزي واختتم المتحدث قوله بأنه «تم إسعاف أربع حالات في مستشفيين وعولجت ست حالات بالموقع، وتم نقل ثلاث حالات عن طريق الدفاع المدني» ثم ذكرت احدى الصحف الالكترونية لاحقاً وفاة احد المصابين في مستشفى الدمام المركزي، فيما لا يزال اثنان منهم يتلقيان العلاج المكثف في نفس المستشفى، في حين غادر ثمانية آخرون المستشفى بعد تلقي العلاج اللازم. اللهم انا نسألك أن تتغمد الميت برحمتك وتمن على المصابين بالشفاء العاجل، لكن الملفت للنظر هو أن هذه هي ليست المرة الأولى التي يتعرض لها المستجدون في الدورات العسكرية التدريبية لضربات الشمس القاتلة ففي العام الماضي وفي مدينة الخرج تعرض طالبان مستجدان في مدينة تدريب تابعة للأمن العام لضربة شمس في مقر التدريب، مما أدى إلى وفاتهما وقبل عدة اعوام توفي احد الجنود المستجدين أثناء خضوعه للتدريبات في مدينة تدريب الأمن العام في المدينةالمنورة جراء ضربة شمس. نحن ندرك أهمية دورات التدريب العسكرية التي يتلقاها المستجدون وندرك ضرورتها قبل الانخراط في العمل العسكري لكن أن نفقد أبناء الوطن بسبب ضربات الشمس والانهاك الحراري أثناء التدريب فهذا ما لا نرضاه ولا يقبله أي مسئول في هذا البلد. نعم تقع حوادث عرضية اثناء التدريبات العسكرية كإطلاق النار عن طريق الخطأ لكنها غير متوقعة وقد لا يمكن تفاديها لكن ضربات الشمس في الغالب تكون متوقعة ويمكن تفاديها. نحن نُسلم بقضاء الله وقدره عندما يستشهد الجندي في ميدان المعركة أو رجل الامن وهو يؤدي واجبه اما ان يموت بسبب سوء تقدير المدربين العسكريين لضربات الشمس والانهاك الحراري اثناء التدريب فهذه مسألة فيها نظر. اننا نعلم يقيناً لا يساوره ادنى شك ان المُدربين هم أكثرُ الناس تأثراً اذا حدث مكروه للمتدربين فهم كأبنائهم واخوانهم لكن تكرر هذه الحوادث اثناء التدريب وفي مناطق متفرقة في الوطن يدل دلالة واضحة ان الأمر يحتاج إلى دراسة للوصول إلى تنظيم يضمن عدم التكرار وكذلك يحتاج الامر إلى فرض عقوبات رادعة لكل مُدرب عسكري لا يلتزم بهذا التنظيم. لا نريد أن نفقد أي مُتدرب وحتى لو كان يمثل نسبة لا تكاد تذكر بالنسبة لاعداد المتدربين أو مقارنة بالمتوفين في حوادث السير إلا ان وفاة المتدرب هي خسارة كبيرة للوطن وخسارة فادحة لأهله الذين ينتظرون عودة ابنهم إليهم بفارغ الصبر. رجال الدفاع المدني يجب أن يتدربوا على الحرارة الشديدة لكن ينبغي التدرج في ذلك لكي يتأقلم الجسم على ذلك تدريجياً وخصوصاً في دورات المستجدين فقد يكون المستجد قد نشأ وتربى في مناطق المملكة الجنوبية الغربية الباردة نسبياً، مثل هذا المتدرب فإن احتمالية ضربة الشمس والانهاك الحراري تكون اكثر بأضعاف مضاعفة ممن نشأ وتربى في المناطق الحارة من المملكة خصوصا ان الدورة التدريبية التي فقدنا فيها احد المتدربين عقدت في الدمام وخلال موجة الحر والرطوبة الشديدة التي تتعرض لها المنطقة الشرقية حالياً. ما المانع ان تؤجل جميع الدورات العسكرية لجميع المستجدين وفي كل القطاعات العسكرية الى فصل الشتاء واذا كان لا بد من التدرب على اجواء الحرارة فلماذا لا يكون ذلك بشكل تدريجي ولأوقات قصيرة في الصباح الباكر أو قبل الغروب وأن تكون تحت اشراف طبي. كذلك لماذا لا ينظر في تقسيم المستجدين الى مجموعات حسب لياقتهم البدنية فالمستجد ذو اللياقة البدنية العالية هو اقل من غيره للتعرض لضربات الشمس والانهاك الحراري. واخيراً وليس آخراً، من الجميل جداً ان تجد في موقع المديرية العامة للدفاع المدني على الشبكة العنكبوتية معلومة طبية للمواطنين عن ضربات الشمس ونصائح لتفاديها وعلاجها، لكن السؤال هو لماذا لم تلتزم مديريات الدفاع المدني بما تنصح به المواطنين في دوراتها التدريبية للعسكريين المستجدين؟ ولماذا لم يصدر تصريح رسمي من مديرية الدفاع المدني عن ما حدث للمتدربين و ملابساته وكأن وفاة متدرب واصابة العديد هو شيء بسيط ولا يحتاج إلى تبيان!! انني اتوجه بعد الله عز وجل إلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية بأن يصدر أمره الكريم بأن يتم التحقيق في وفاة واصابة افراد الدفاع المدني المستجدين بالمنطقة الشرقية وأن يتم على ضوئها اصدار تنظيم جديد يمنع تكرار حدوث حالات الانهاك الحراري وضربات الشمس القاتلة في الدورات العسكرية التدريبية القادمة للمستجدين.