النقد -من حيث المبدأ- مطلب جوهري لا بد من تجسيده كمنهج تصحيحي يحتسب ويستدرك ويرشد مسارات السلوك العام، لكن الإشكالية تتجلى حينما يفتقر ذلك النقد لقيمتي التجرد والحيادية كما هو واقع في كثير من السياقات، إذ هناك من يعجز عن تشويه القيمة الدينية ويجبن عن إثارة الشبهات حول المنهج؛ ولذا يلجأ إلى تسليط الأضواء على الممارسات الفردية الخاطئة بوصفها الطريق الأسهل لإدانة المنهج نفسه. (النظرية) هنا تُحمّل -وعن سابق عمد وإصرار- تبعات (التطبيق). ممارسات الأفراد الخاطئة هنا يتم توظيفها وب«ميكافيلية» ماكرة للشغب على المنهج والتطاول على الدين ذاته. الخلل في التجسيد، والقصور الذي ينتاب السلوك الفردي إبان التطبيق لا يتم نقده هنا مفردا وبوصفه حالة استثنائية ناشزة عن المنهج العام، وإنما يستخدم كتبرير لإدانة النظرية الكلية والشغب على أدبياتها. هناك ازدواجية في المعايير، والخطأ الواحد يتم التعاطي معه بموازين متباينة على حسب الجهة التي واقعت في المحذور، وصدرعنها التجاوز، فمثلا حينما يكون الخطأ صادرا عن رجل الهيئة فستجد من يتلقف هذا الخطأ ويشيعه لا بحسبه حالة فردية محدودة، بل باعتباره ظاهرة عامة ستتفاقم إشكاليتها ويتنامى استفحالها إن لم تتم المبادرة بمحاصرتها وإيقاف تمدد هذا المعطى الاحتسابي!. الممارسة الفردية هنا يكثف التركيز عليها فتُضخم، ينفخ فيها، يجيش الوعي ضدها، الخطأ يجري تعميمه حتى يبدو أمام المتلقي وكأن هذا الخطأ هو خطأ في الدين نفسه، وهكذا وبهذه الطريقة، أي من خلال التركيز على نقد الممارسة الفردية وتضخيمها يكسب هذا الخطاب المغرض على منحيين، الأول: تنفير المتلقي من هذه القيمة الدينية المجسدة، وتلك الشعيرة المشروعة؛ لأنها تصور أمامه على نحو مقزز يحدوه للنفور منها واستبشاع تطبيقاتها والاشمئزاز من التلبس بمقتضياتها أو تحقيق مصاديقها!. الثاني: تلك الطريقة تتيح للناقد المغرض أن يشوه الحيثيات الدينية، وأن ينكل بالمسوقين لأدبياتها في الوقت الذي هو في منجى من المساءلة، فلا يتعرض للمحاسبة النظامية ولا الملاحقة القانونية؛ لأنه وكما قد يبدو ولأول وهلة أنه لا ينقد الدين كمقدس، بل ينقد التدين كسلوك وكتموضع بشري غير مستعص على النقد، هكذا قد يبدو في الظاهر، لكنه عند التحقيق قد جعل من التدين وسيلة لتجاوز الهامش نحو المتن، وتمرير خطاب تحريضي يتطاول على المكوّن الديني!. الناقد المتربص كثيرا ما يخلط –أحيانا بوعي وأحيانا بدونه- بين الدين والتدين، إنه لا يعي الخطوط الفاصلة بين الدين كمعطى إلهي مقدس يتعالى على التقييم فضلا عن التقويم، وبين التدين كفعالية إنسانية وكسلوك بشري قابل للنقد بفعل انفتاحه على كافة الاحتمالات.