أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تعديلاً وزارياً للتخلص من وزير معارضة لا ينبغي عليه تعيينه في المقام الأول. وإذا كان هذا يبدو أخرق، لاحظ أن الرئيس كان مجبراً على التصرف عندما قال الوزير الذي تدور حوله المسألة شيئاً صحيحاً. أرنو مونتيبورج، وزير الاقتصاد المغادر، هو يساري من الطراز القديم الذي كان لا بد أن يكون على خلاف مع مانويل فالس، رئيس الوزراء الأكثر وسطية والذي عينه هولاند في وقت سابق من هذا العام. وتحت ولاية فالس، أكدت حكومة هولاند على إصلاح جانب العرض - تخفيضات الضرائب التجارية والإصلاح التنظيمي - باعتبارها السبيل لإحياء الاقتصاد الفرنسي الذي يعاني من حالة ركود، وبدلا من ذلك يريد مونتيبورج التوسع المالي، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، ندد بازدراء السياسات الحكومية الخاصة ببلاده. وبذلك اضطر هولاند إلى إقالته، والمشكلة هي أنه يوجد لدى مونتيبورج وجهة نظر، مثل الكثيرين الموجودين في منطقة اليورو، فرنسا تعاني من نقص مزمن في الطلب الكلي. وعلى المدى المتوسط، ليس هناك شك في أن هذا الاقتصاد المشلول، كما سماه فالس، يحتاج للتحرير بالطريقة التي يقترحها، ولكن التوقيت خطأ برمته. فعندما يكون الطلب بهذا الضعف، من غير المرجح لإصلاح جانب العرض أن يحفز النمو، حتى أن هناك فرصة في أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الركود عن طريق خفض الأسعار ودفع فرنسا نحو الانكماش. وحكومة على خلاف مع نفسها لا يمكنها أن تفيد أحداً، وإذا جلبت حملة تطهير هولاند وحدة الهدف من جديد، سيكون هذا جيداً، ولكن هذه الوحدة لا بد من تنظيمها حول برنامج سياسي فعال. نعم، عندما يحين الوقت المناسب، إصلاح جانب العرض أمر لا غنى عنه. وفي الوقت الراهن، على الرغم من ذلك يجب أن تكون الإقامة النقدية والمالية من أولويات هولاند الأكثر إلحاحاً. لكن الرئيس الفرنسي، حين واجه تمرداً داخل الحزب الاشتراكي، اضطر إلى حل الوزارة، وقال هو ورئيس الوزراء المستقيل مانويل فالس: إنه سيتم تعيين حكومة جديدة خلال 24 ساعة. لاحظ أن مونتيبورج اتهم حكومته بأنها تنحني أمام الضغط لمشاعر «الهوس» المؤيدة للتقشف في المالية العامة التي تتطلبها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وقد صرح مونتيبورج وغيره من الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي بمعارضتهم لخطة هولاند والتي تقضي بخفض الإنفاق الحكومي وتخفيض الضرائب على الشركات، وهم يقولون إن هذا نهج سيؤدي إلى مزيد من الأضرار لاقتصاد فرنسا الراكد. كذلك فإن مونتيبورج لم يعط هولاند وفالس الفرصة لفصله من الوزارة، فقد قدم استقالته في كلمة هاجم فيها الحكومة على سياساتها «السخيفة». وقالت أوريلي فيليبيتي، وزيرة الثقافة: إنها ستستقيل أيضاً، ومن المرجح كذلك أن يتم استبدال بعض الوزراء الذين أيدوا موقف مونتيبورج. ومع ذلك من المرجح أن هذا التغيير الوزاري يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأمور. يقول أنتونيو باروسو، من مؤسسة Teneo Intelligence في لندن: «على الأرجح سيعقِّد هذا التغيير الانقسامات الداخلية» ضمن الحزب الحاكم. ورغم أن الاشتراكيين يتمتعون بالأغلبية في البرلمان، «إلا أن بعض النواب المارقين يمكن أن يبدأوا بالتصويت ضد الإجراءات الاقتصادية القادمة». وفي هذه الأثناء سيواصل مونتيبورج الحديث علناً، حيث يستعد لإعداد نفسه للانتخابات الرئاسية في عام 2017، كما يتوقع باروسو. هذه الانقسامات داخل الاشتراكيين ربما تجعل من الصعب بصورة متزايدة على هولاند أن يحكم، والمثير للمفارقة أن الجدل حول التقشف في فرنسا ينفجر تماماً في الوقت الذي يعمل فيه ماريو دراجي على تخفيف موقفه حول تخفيض الميزانيات. وفي كلمته التي ألقاها في مؤتمر جاكسون هول في الأسبوع الماضي، قال: «إنه قد آن الأوان للتحرك نحو مجموعة سياسات في المالية العامة مؤيدة للنمو». مشكلة هولاند هي أنه تحرك ببطء نحو تقليص الإنفاق الحكومي، وحيث إن الاقتصاد متعثر الآن، فإنه واقع تحت ضغط هائل من جيرانه في منطقة اليورو لتحقيق وعوده بتقليص الحجز. وفي حين أن دراجي كان متساهلاً إلى حد ما بشأن التقشف، إلا أنه تعمد أن يذكر أنه لا يزال يتوقع من الحكومات الأوروبية أن تواصل تطبيق وعودها بالإصلاحات الهيكلية، والتي كانت فرنسا بطيئة في تطبيقها. وقال مايكل أوساليفان، من المصرفية الخاصة في بنك كريدي سويس، في مقابلة مع بلومبيرج نيوز: «إن الحكومة الفرنسية تحب أن تتلقى الضوء الأخضر من أجل إنفاق المزيد من الأموال، لكني لا أظن أنهم سيحصلون عليه». وبطبيعة الحال الأولوية بالنسبة لفرنسا وأوروبا على النطاق الأوسع ينبغي أن تكون لإنعاش الطلب، ولكن كيف؟ وكان بإمكان البنك المركزي الأوروبي أن يفعل ما هو أكثر من ذلك، ولكن فشل في التصرف بشكل حاسم. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أشار رئيس البنك ماريو دراجي في مؤتمر محافظي البنوك المركزية في جاكسون هول إلى أنه ما زال يتقدم ببطء نحو اقتراح التيسير الكمي المباشر، من النوع الذي استخدمه الاحتياطي الفدرالي الأمريكي وحقق منه نتائج إيجابية. لقد قام دراجي بالتقدم ببطء لفترة طويلة، ولكنه لم يصل حتى الآن إلى أي مكان. والتيسير الكمي الآن قد طال انتظاره، وفي غضون ذلك انخفض التضخم في منطقة اليورو بشكل خطير دون المستوى المستهدف للبنك المركزي الأوروبي. ومن المثير للاهتمام، ما قاله دراجي أيضا حول أن السياسة المالية العامة يمكن أن تلعب دوراً أكبر في إنعاش الطلب. هذه هي وجهة نظر مونتيبورج. صحيح، ما يقوله دراجي حول أن المجال لهذا التيسير ينبغي إيجاده داخل القواعد المالية المتفق عليها التابعة للاتحاد الأوروبي - التي تفوض التضييق في المالية العامة - في حين أن مونتيبورج يعترض على القواعد نفسها. وعلى الرغم من ذلك، يعتبر مونتيبورج مرة أخرى على حق، ومع اقتراب أسعار الفائدة من الصفر وعدم رغبة البنك المركزي الأوروبي أو عدم قدرته على تخفيف الظروف النقدية بشكل أكبر، تحتاج القواعد المالية للاتحاد الأوروبي إلى التفكيك واستبدالها بشيء يكون مناسباً لهذا الأمر. لم تعد تسيطر فرنسا على سياستها النقدية - ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكن لهولاند أن يطلب رسمياً من البنك المركزي الأوروبي التصرف، ومن المهم أيضاً أن تلك السياسة المالية تساعد على تعافي الطلب، وهذا يتطلب إعادة نظر صريحة بالترتيبات المالية في منطقة اليورو.